نعم ، لو كان الحكم بالتخيير في المقام من باب تزاحم الواجبين كان الأقوى استمراره ؛ لأنّ المقتضي له في السابق موجود بعينه ، بخلاف التخيير الظاهريّ في تعارض الطريقين ، فإنّ احتمال تعيين ما التزمه قائم ، بخلاف التخيير الواقعي ، فتأمّل.
واستصحاب التخيير غير جار ؛ لأنّ الثابت سابقا ثبوت الاختيار لمن لم يتخيّر ، فإثباته لمن اختار والتزم إثبات للحكم في غير موضوعه الأوّل. وبعض المعاصرين رحمهالله استجود هنا كلام العلّامة رحمهالله ؛ مع أنّه منع من العدول عن أمارة إلى اخرى وعن مجتهد إلى آخر ، فتدبّر.
______________________________________________________
وتحقيق المقام بعد ما عرفت من ضعف أدلّة القولين : أنّا إن قلنا باعتبار الأخبار من باب السببيّة فلا مناص من القول باستمرار التخيير على ما عرفت. وإن قلنا باعتبارها من باب الطريقيّة فمقتضى القاعدة وإن كان هو التساقط والرجوع إلى الأصل الموافق لأحدهما ، إلّا أنّ الأخبار قد دلّت على ثبوت التخيير في مرحلة الظاهر ، وقد عرفت قصور هذه الأخبار من إفادة استمرار التخيير ، فالمتّجه على هذا القول هو كون التخيير بدويّا لا استمراريّا.
تنبيه : إنّه على المختار من كون التخيير بدويّا ، وأنّه بعد الأخذ بأحدهما يتعيّن عليه المأخوذ ، فهل الملزم هو مجرّد الأخذ والالتزام بمؤدّى أحد المتعارضين ولو قبل وقت العمل به ، بأن يأخذ به ليعمل به في وقته ، أو الالتزام به في زمان الابتلاء به ، أو هو مع العمل به؟ وجوه ثالثها أوجهها ، نظير اختلافهم في الملزم في مسألة التقليد. ويرشد إلى الأوّل الجمود على ظاهر الأخبار ، مثل قوله عليهالسلام : «بأيّهما أخذت وسعك». وإلى الثاني أنّ الأمر بالأخذ والالتزام إنّما هو من باب المقدّمة للعمل والتوصّل به إليه ، ولا يتعلّق الأمر بالمقدّمة قبل وجوب ذيها ، لكونه عبثا وسفها ، فالأمر بالأخذ لا بدّ أن يكون في زمان وجوب العمل لا قبله. وإلى الثالث أنّ الأخذ بمؤدّى الدليل ولو في وقت وجوب العمل إنّما هو من باب المقدّمة للعمل ، ولا مطلوبيّة له في ذاته ، فالمطلوب بالأمر بأخذ في الحقيقة هو العمل ،