بقي هنا ما يجب التنبيه عليه خاتمة للتخيير ومقدّمة للترجيح (٢٨٣٣) ، وهو : أنّ الرجوع إلى التخيير غير جائز إلّا بعد الفحص التامّ عن المرجّحات ؛ لأنّ مأخذ التخيير إن كان هو العقل الحاكم بأنّ عدم إمكان الجمع في العمل لا يوجب إلّا طرح البعض ، فهو لا يستقلّ بالتخيير في المأخوذ والمطروح إلّا بعد عدم مزيّة في أحدهما اعتبرها الشارع في العمل ، والحكم بعدمها لا يمكن إلّا بعد القطع بالعدم أو الظنّ المعتبر أو إجراء أصالة العدم التي لا تعتبر فيما له دخل في الأحكام الشرعيّة الكلّية إلّا بعد الفحص التام ، مع أنّ أصالة العدم لا تجدي (٢٨٣٤) في استقلال العقل بالتخيير ، كما لا يخفى.
______________________________________________________
تقيّد اعتبار كلّ منهما بعدم الآخر ، بل وكذلك إن قلنا باعتباره من باب الظنّ النوعي المطلق ، لخروج كلّ من القولين ـ لأجل التعارض ـ من وصف إفادته للظنّ ، نظير تعارض الأخبار على هذا القول ، كما أشار إليه المصنّف رحمهالله سابقا.
وأمّا على القول بالتخيير في تعارض الأخبار ، فإن قلنا باعتبارها من باب السببيّة فلا دخل له فيما نحن فيه. وإن قلنا باعتبارها من باب الطريقيّة ، فهو من جهة التعبّد بأخبار التخيير لا من باب القاعدة والأصل.
٢٨٣٣. أمّا كونه خاتمة له فواضح ، لتضمّنه بيان كون مورد ثبوت التخيير هو صورة الفحص عن المرجّح وعدم وجدانه. ولكن كان عليه أن يبيّن مقدار الفحص أيضا ، ولعلّه قد اكتفي عنه بما ذكره في مسألة البراءة.
وأمّا كونه مقدّمة للترجيح فغير ظاهر الوجه ، لأنّ وجوب الفحص مبنيّ على وجوب الترجيح ، فالبحث عن وجوب الفحص عنه متأخّر عن البحث عن وجوب الترجيح لا مقدّم عليه. ولعلّه قد نظر إلى تقدّم نفس الفحص على الترجيح ، وإن تأخّر وجوبه عن وجوبه.
٢٨٣٤. لأنّها أصل قد ثبت التعبّد بمقتضاه شرعا في مورد الشكّ ، والعقل إنّما يستقلّ بحكم في مورد بعد إحراز جميع ما له دخل في حكمه وجودا وعدما على سبيل القطع أو الظنّ المعتبر ، وأصالة العدم لا ترفع الشكّ ، فلا يستقلّ معه العقل بالحكم بالتخيير.