في الأمارات المنصوبة في غير الأحكام ـ كما في أقوال أهل اللغة وأهل الرجال ـ هو وجوب التوقّف ؛ لأنّ الظاهر اعتبارها من حيث الطريقية إلى الواقع ـ لا السببية المحضة ـ وإن لم يكن منوطا بالظنّ الفعلي ، وقد عرفت أنّ اللازم في تعادل ما هو من هذا القبيل التوقّف والرجوع إلى ما يقتضيه الأصل في ذلك المقام. إلّا أنّه إن جعلنا الأصل من المرجّحات كما هو المشهور وسيجيء ، لم يتحقّق التعادل بين الأمارتين إلّا بعد عدم موافقة شىء منهما للأصل ، والمفروض عدم جواز الرجوع إلى الثالث ؛ لأنّه طرح للأمارتين ، فالأصل الذي يرجع إليه هو الأصل في المسألة المتفرّعة على مورد التعارض ، كما لو فرضنا تعادل أقوال أهل اللغة في معنى" الغناء" أو" الصعيد" أو" الجذع" من الشاة في الأضحية ، فإنّه يرجع إلى الأصل في المسألة الفرعيّة.
______________________________________________________
اعتمادهم في ضبط معاني الألفاظ إلى التتبّع والاجتهاد في موارد استعمالات أهل اللسان ، وهم ليسوا بمأمونين عن الخطأ في اجتهادهم من جهة استعمال علائم الحقيقة والمجاز. فمن ادّعى كون اللفظ موضوعا لمعنى خاصّ ، من جهة ملاحظة استعماله فيه أو تبادره منه عند أهل اللسان أو نحو ذلك ، فربّما يكون ذلك منه ناشئا عن غفلته عن استعمالهم له في فرد آخر أيضا اطّلع عليه صاحبه دونه ، أو كون التبادر ناشئا من قرينة خارجة مختفية عليه ، أو نحو ذلك.
وبالجملة ، إنّه مع كون استنادهم في ضبط معاني الألفاظ إلى اجتهادهم وتتبّعهم للموارد الجزئيّة من استعمالات أهل اللسان ، لا يبقى مقتض لحمل العموم في كلام بعض على الخاصّ في كلام بعض آخر.
وأمّا الحكم بالتوقّف في مورد تحقّق التعارض فلأنّ اعتبار قول أهل اللغة من باب الطريقيّة ، بمعنى أنّ اعتباره إمّا من باب الظنّ الشخصي أو النوعي المقيّد بعدم قيام ظنّ آخر بخلافه ، فإذا تعارض قولا أهل اللغة ، فعلى الأوّل إمّا أن يبقى مع أحدهما ظنّ فعلي بمقتضاه أو لا. فعلى الأوّل يجب الأخذ بما حصل الظنّ منه وطرح الآخر ، لانتفاء مناط اعتباره. وعلى الثاني يجب التوقّف والرجوع إلى مقتضى الاصول ، لانتفاء مناط اعتبار كلّ منهما. وكذلك على الوجه الثاني ، لفرض