.................................................................................................
______________________________________________________
الآخر وضعه لما يباينه في هذه اللغة ، مع كونهما من أهل الخبرة والتّتبع ، بحيث يبعد عدم اطّلاع أحدهما على ما لم يطّلع عليه الآخر ، فيتوقّف ويرجع إلى مقتضى الاصول كما ذكره المصنّف رحمهالله.
ومن هنا يظهر أنّ تعارض أقوال أهل اللغة يفارق في الحكم تعارض الأمارات المنصوصة في أمرين : أحدهما : عدم حمل العامّ على الخاصّ إذا كانا مطلقين ، والآخر : الحكم بالتوقّف عند التعارض ، لأنّ كلّا منهما مخالف لحكم متعارضات الأخبار ، على ما هو التحقيق من حمل العامّ على الخاصّ منها ، والحكم بالتخيير في المتعارضين المتكافئين منها.
والوجه في ذلك واضح ممّا قرّرناه ، لأنّ الحكم بالاشتراك اللفظي في الصورتين الأوليين من تعارض أقوال أهل اللغة إنّما هو لعدم التعارض في الحقيقة على ما عرفت ، والتعارض فيها إنّما يأتي بسبب القرائن الخارجة على ما أشرنا إليه. وكذلك الأخذ بالعموم في الثالثة لأجل ما عرفت من رجوع قول مدّعي العموم إلى دعوى الاطّلاع على ما لم يطّلع عليه الآخر ، بخلاف متعارضات الأخبار ، لأنّ الخبرين المتعارضين بالتباين أو العموم والخصوص من وجه أو مطلقا صادران عن متكلّم واحد أو متكلّمين في حكم متكلّم واحد ، مع اتّحاد التكليف ، ولا ريب في تحقّق التعارض حينئذ على الأوّلين ، وصيرورة الخاصّ قرينة عرفيّة على إرادة الخاصّ من العامّ في الثالث ، بخلاف ما نحن فيه ، لأنّ الفرض فيه صدور كلّ من العامّ والخاصّ عن متكلّم من دون التفات منه حين استعماله إلى متكلّم آخر.
فإن قلت : إنّ المستعملين من أهل اللسان كلّهم بمنزلة متكلّم ومستعمل واحد ، لأنّ مرجع الاستعمالات جميعهم إلى استعمال مستعمل واحد ، وهو واضع الألفاظ ، أعني : يعرب بن قحطان على ما قيل ، لأنّ الجميع تابع له في الاستعمال.
قلت : هذا إنّما يتمّ لو كان استناد علماء اللغة في ضبط معاني الألفاظ وتدوينها إلى مجرّد النقل والرواية عن الواضع ، وليس كذلك ، لأنّ استنادهم و