هذا ، والتحقيق : أنّا إن قلنا بأنّ العمل بأحد المتعارضين في الجملة مستفاد من حكم الشارع به بدليل الإجماع والأخبار العلاجية ، كان اللازم الالتزام بالراجح وطرح المرجوح وإن قلنا بأصالة البراءة عند دوران الأمر في المكلّف به بين التعيين والتخيير ؛ لما عرفت : من أنّ الشكّ في جواز العمل بالمرجوح فعلا ، ولا ينفع وجوب العمل به عينا في نفسه مع قطع النظر عن المعارض ، فهو كأمارة لم يثبت حجّيتها أصلا.
وإن لم نقل بذلك ، بل قلنا باستفادة العمل بأحد المتعارضين من نفس أدلّة العمل بالأخبار : فإن قلنا بما اخترناه : من أنّ الأصل التوقّف ـ بناء على اعتبار الأخبار من باب الطريقية والكشف الغالبي عن الواقع ـ فلا دليل على وجوب الترجيح بمجرّد قوّة في أحد الخبرين ؛ لأنّ كلّا منهما جامع لشرائط الطريقيّة ، والتمانع يحصل بمجرد ذلك ، فيجب الرجوع إلى الاصول الموجودة في تلك المسألة إذا لم تخالف كلا المتعارضين ، فرفع اليد عن مقتضى الأصل المحكّم في كلّ ما لم يكن طريق فعليّ على خلافه بمجرّد مزيّة لم يعلم اعتبارها ، لا وجه له ؛ لأنّ المعارض المخالف بمجرّده ليس طريقا فعليّا ؛ لابتلائه بالمعارض الموافق للأصل ، والمزيّة الموجودة لم يثبت تأثيرها في دفع المعارض.
وتوهّم : استقلال العقل بوجوب العمل بأقرب الطريقين إلى الواقع ، وهو الراجح. مدفوع بأنّ ذلك إنّما هو فيما كان بنفسه (٢٨٤١) طريقا كالأمارات المعتبرة لمجرّد إفادة الظنّ. وأمّا الطرق المعتبرة شرعا من حيث إفادة نوعها الظنّ وليس اعتبارها منوطا بالظنّ ، فالمتعارضان المفيدان منها بالنوع للظنّ في نظر الشارع سواء.
______________________________________________________
٢٨٤١. يعني : بحكم العقل وإن لحقه إمضاء الشارع ، لا بجعل الشارع ، كالظنّ المطلق عند انسداد باب العلم.
ثمّ إنّ دعوى عدم جواز الترجيح بالمزيّة الموجودة في أحد الخبرين إذا قلنا باعتبارهما من باب الظنّ النوعي لا يخلو من إشكال ، لأنّ عدم إناطة اعتبارهما بإفادة الظنّ الفعلي لا ينافى الترجيح بالمزيّة المذكورة المفيدة للظنّ نوعا أو شخصا ، لأنّ