فإن قلت : اوّلا : إنّ كون الشيء مرجّحا ـ مثل كون الشيء دليلا ـ يحتاج إلى دليل ؛ لأنّ التعبّد بخصوص الراجح إذا لم يعلم من الشارع كان الأصل عدمه ، بل العمل به مع الشكّ يكون تشريعا ، كالتعبّد بما لم يعلم حجّيته. وثانيا : إذا دار الأمر بين وجوب أحدهما على التعيين وأحدهما على البدل ، فالأصل براءة الذمّة عن خصوص الواحد المعيّن ، كما هو مذهب جماعة في مسألة دوران الأمر بين التخيير والتعيين.
قلت : أمّا كون الترجيح كالحجّية أمرا يجب ورود التعبّد به من الشارع مسلّم ، إلّا أنّ الالتزام بالعمل بما علم جواز العمل به من الشارع من دون استناد الالتزام إلى إلزام الشارع ، احتياط لا يجري فيه ما تقرّر في وجه حرمة العمل بما وراء العلم ، فراجع. نظير الاحتياط بالتزام ما دلّ أمارة غير معتبرة على وجوبه مع احتمال الحرمة أو العكس.
وأمّا إدراج المسألة في مسألة دوران المكلّف به بين أحدهما المعيّن وأحدهما على البدل ، ففيه : أنّه لا ينفع بعد ما اخترنا في تلك المسألة وجوب الاحتياط وعدم جريان قاعدة البراءة. والأولى منع اندراجها (٢٨٤٠) في تلك المسألة ؛ لأنّ مرجع الشكّ في المقام إلى الشك في جواز العمل بالمرجوح ، ولا ريب أنّ مقتضى القاعدة المنع عمّا لم يعلم جواز العمل به من الأمارات ، وهي ليست مختصّة بما إذا شكّ في أصل الحجّية ابتداء ، بل تشمل ما إذا شكّ في الحجّية الفعليّة مع إحراز الحجّية الشأنيّة ، فإنّ المرجوح وإن كان حجّة في نفسه ، إلّا أنّ حجّيته فعلا مع معارضة الراجح ـ بمعنى جواز العمل به فعلا ـ غير معلوم ، فالأخذ به والفتوى بمؤدّاه تشريع محرّم بالأدلّة الأربعة.
______________________________________________________
٢٨٤٠. حاصله : أنّ النزاع في كون المرجع فيما دار الأمر فيه بين التعيين والتخيير هي أصالة البراءة أو الاحتياط ، إنّما هو فيما كانت الشبهة ناشئة من الشكّ في بعض شرائط المأمور به ، كما لو دار الأمر بين وجوب عتق مطلق الرقبة وخصوص المؤمنة ، فلا يشمل ما كانت الشبهة فيه ناشئة من الشكّ في بعض شرائط الامتثال كما فيما نحن فيه ، وإلّا فالمتعيّن فيه الرجوع إلى قاعدة الاحتياط ، كما تقدّم في أواخر مسألة البراءة.