وكون وجوب الأهمّ مزاحما لوجوب غيره من دون عكس. وكذا لو احتمل الأهميّة في أحدهما دون الآخر. وما نحن فيه ليس كذلك قطعا ؛ فإنّ وجوب العمل بالراجح من الخبرين ليس آكد من وجوب العمل بغيره.
هذا ، وقد عرفت فيما تقدّم أنّا لا نقول بأصالة التخيير في تعارض الأخبار ، بل ولا غيرها من الأدلّة ؛ بناء على أنّ الظاهر من أدلّتها وأدلّة حكم تعارضها كونها من باب الطريقيّة ، ولازمه التوقّف والرجوع إلى الأصل المطابق لأحدهما أو أحدهما المطابق للأصل ، إلّا أنّ الدليل الشرعي دلّ على وجوب العمل بأحد المتعارضين في الجملة ، وحيث كان ذلك بحكم الشرع فالمتيقّن من التخيير هو صورة تكافؤ الخبرين.
أمّا مع مزيّة أحدهما على الآخر من بعض الجهات فالمتيقّن هو جواز العمل بالراجح ، وأمّا العمل بالمرجوح فلم يثبت ، فلا يجوز الالتزام به ، فصار الأصل وجوب العمل بالراجح ، وهو أصل ثانوي ، بل الأصل فيما يحتمل كونه مرجّحا الترجيح به ، إلّا أن يرد عليه (٢٨٤٥) إطلاقات التخيير ؛ بناء على وجوب الاقتصار في تقييدها على ما علم كونه مرجّحا.
وقد يستدلّ على وجوب الترجيح (٢) : بأنّه لو لا ذلك لاختلّ نظم الاجتهاد بل نظام الفقه ؛ من حيث لزوم التخيير بين الخاصّ والعامّ والمطلق والمقيّد وغيرهما من الظاهر والنصّ المتعارضين.
وفيه : أنّ الظاهر (٢٨٤٦) خروج مثل هذه المعارضات عن محلّ النزاع ؛ فإنّ
______________________________________________________
٢٨٤٥. سيجيء في المقام الثالث دعوى المصنّف رحمهالله أنّ المتبادر من أخبار التخيير هي صورة تكافؤ الخبرين من جميع الوجوه ، وعدم مزيّة أحدهما على الآخر أصلا.
٢٨٤٦. لا ريب في صحّة الاستدلال لو لا استشهاده لزوم التخيير بين الخاصّ والعامّ والمطلق والمقيّد ، إذ لا شكّ في لزوم تأسيس فقه جديد لو لا البناء على الترجيح في متعارضات الأخبار.