وحينئذ ، فنقول : إذا كان أحد الراويين أضبط من الآخر أو أعرف بنقل الحديث بالمعنى أو شبه ذلك ، فيكون أصدق وأوثق من الراوي الآخر ، ونتعدّى من صفات الراوي المرجّحة إلى صفات الرواية الموجبة لأقربيّة صدورها ؛ لأنّ أصدقيّة الراوي وأوثقيّته لم تعتبر في الراوي إلّا من حيث حصول صفة الصدق والوثاقة في الرواية ، فإذا كان أحد الخبرين منقولا باللفظ والآخر منقولا بالمعنى كان الأوّل أقرب إلى الصدق وأولى بالوثوق.
ويؤيّد ما ذكرنا أنّ الراوي بعد سماع الترجيح بمجموع الصفات لم يسأل عن صورة وجود بعضها (٢٨٧٣) وتخالفها في الراويين (*) ، وإنّما سأل عن حكم صورة
______________________________________________________
الصدور ، وليس كذلك ، لأنّ غايتهما أكثريّة تحرّز صاحبهما عن تعمّد الكذب بالنسبة إلى الفاقد لهما ، لا أقربيّة خبره إلى الصدور مطلقا ، لاحتمال الخطأ والنسيان بل كثرتهما ، مدفوعة بأنّ احتمال الخطأ والنسيان مندفع بالأصل المجمع عليه ، ومنع اشتراكه بين الخبرين ، وكثرتهما مفروضة العدم ، وإلّا سقط الخبر عن درجة الاعتبار.
٢٨٧٣. هذا دليل على فهم السائل لعدم اعتبار اجتماع الصفات ، وقوله : «وتخالفها» دليل على فهمه لجواز الترجيح بكلّ مزيّة. أمّا الأوّل فواضح ، إذ لو لم يفهم ما ذكرناه احتيج إلى السؤال عن صورة وجود بعضها ، إذ بيان حكم صورة الاجتماع لا يغني عن بيان حكم وجود البعض. نعم ، عدم السؤال عنه لا يدلّ على جواز الترجيح بكلّ مزيّة ، لاحتمال كون عدم السؤال عنه لفهمه لجواز الترجيح بكلّ واحدة من الصفات تعبّدا. وأمّا الثاني فإنّ فهمه لجواز الترجيح بكلّ واحدة منها لا يغني عن بيان حكم تخالفها.
فإن قلت : إنّ حكم صورة التخالف غير محتاج إلى البيان ، لأنّ الخبرين إن وجدت في أحدهما إحدى الصفات دون الاخرى ، فقد فرضنا فهم السائل لحكمه
__________________
(*) فى بعض النسخ : بدل «الروايتين» ، الروايتين.