من التأويل وإذا عمل بالخبر الآخر لا يمكن العمل بهذا الخبر الآخر ، وجب العمل بالخبر الذي يمكن مع العمل به العمل بالخبر الآخر ؛ لأنّ الخبرين جميعا منقولان مجمع على نقلهما ، وليس هنا قرينة تدلّ على صحّة أحدهما ، ولا ما يرجّح أحدهما على الآخر ، فينبغي أن يعمل بهما إذا أمكن ، ولا يعمل بالخبر الذي إذا عمل به وجب اطّراح العمل بالآخر. وإن لم يمكن العمل بهما جميعا لتضادّهما وتنافيهما أو أمكن حمل كلّ واحد منهما على ما يوافق الآخر على وجه ، كان الإنسان مخيّرا في العمل بأيّهما شاء (٢١) ، انتهى. وهذا كلّه كما ترى يشمل حتّى تعارض العام والخاص مع الاتّفاق فيه على الأخذ بالنصّ.
وقد صرّح في العدّة في باب بناء العام على الخاص بأنّ الرجوع إلى الترجيح والتخيير إنّما هو في تعارض العامّين دون العام والخاص ، بل لم يجعلهما من المتعارضين أصلا. واستدلّ على العمل بالخاص بما حاصله : أنّ العمل بالخاص ليس طرحا للعام ، بل حمل له على ما يمكن أن يريده الحكيم ، وأنّ العمل بالترجيح والتخيير فرع التعارض الذي لا يجري فيه الجمع. وهو مناقض صريح لما ذكره هنا من أنّ الجمع من جهة عدم ما يرجّح أحدهما على الآخر.
وقد يظهر ما في العدّة من كلام بعض المحدّثين ، حيث أنكر حمل الخبر الظاهر في الوجوب أو التحريم على الاستحباب أو الكراهة لمعارضة خبر الرخصة ، زاعما أنّه طريق جمع لا إشارة إليه في أخبار الباب ، بل ظاهرها تعيّن الرجوع إلى المرجّحات المقرّرة.
وربّما يلوح هذا أيضا من كلام المحقّق القمي في باب بناء العام على الخاص ، فإنّه بعد ما حكم بوجوب البناء ، قال : وقد يستشكل : بأنّ الأخبار قد وردت في تقديم ما هو مخالف للعامة أو موافق للكتاب ونحو ذلك ، وهذا يقتضي تقديم العام لو كان هو الموافق للكتاب أو المخالف للعامة أو نحو ذلك. وفيه : أنّ البحث منعقد لملاحظة العام والخاص من حيث العموم والخصوص ، لا بالنظر إلى المرجّحات الخارجيّة ، إذ قد يصير التجوّز في الخاصّ أولى من التخصيص في العام من جهة مرجّح خارجي ، وهو خارج عن المتنازع (٢٢) ، انتهى.