وأمّا اختفاء المخصّصات ، فيبعّده بل يحيله عادة عموم البلوى بها من حيث العلم والعمل ، مع إمكان دعوى العلم بعدم علم أهل العصر المتقدّم وعملهم بها ، بل المعلوم جهلهم بها.
فالأوجه هو الاحتمال الثالث ، فكما أنّ رفع (٢٩٠٢) مقتضى البراءة العقليّة ببيان التكليف كان على التدريج ـ كما يظهر من الأخبار والآثار ـ مع اشتراك الكلّ في الأحكام الواقعيّة ، فكذلك ورود التقييد والتخصيص للعمومات والمطلقات ، فيجوز أن يكون الحكم الظاهريّ للسابقين الترخيص في ترك بعض الواجبات وفعل بعض المحرّمات الذي يقتضيه العمل بالعمومات ، وإن كان المراد منها الخصوص الذي هو الحكم المشترك.
ودعوى : الفرق (٢٩٠٣) بين إخفاء التكليف الفعليّ وإبقاء المكلّف على ما كان عليه من الفعل والترك بمقتضى البراءة العقليّة وبين إنشاء الرخصة له في فعل الحرام وترك الواجب ، ممنوعة. غاية الأمر أنّ الأوّل من قبيل عدم البيان ، والثاني من قبيل بيان العدم ، ولا قبح فيه بعد فرض المصلحة ، مع أنّ بيان العدم قد يدّعى وجوده
______________________________________________________
٢٩٠٢. هذا زيادة تقريب للوجه الثالث بالمقايسة ، ورفع استبعاد عنه.
٢٩٠٣. بلزوم القبح على الشارع على الثاني دون الأوّل. وتوضيح الفرق : أنّ تقرير المكلّفين على مقتضى عقولهم من البراءة والتخيير مع ثبوت التكليف في الواقع ، وكذا إنشاء الحكم عموما أو إطلاقا مع ثبوت التخصيص أو التقييد في الواقع ، وإن استلزم كلّ منهما تفويت الواقع عليهم ، إلّا أنّه لا قبح في الأوّل ، لأنّ التفويت فيه ليس بمستند إلى الشارع بل إلى اختيار المكلّف ، لفرض إمكان الاحتياط واحتمال ثبوت التكليف في الواقع ، فمجرّد تقرير الشارع وسكوته عن بيان الواقع لا قبح فيه أصلا ، بخلاف الثاني ، لأنّ إنشاء الحكم عموما أو إطلاقا بيان لنفس الواقع ، فيزعم منه المكلّف عدم التخصيص والتقييد في الواقع ، فيقدم على الامتثال زاعما للعموم أو الإطلاق ، فيكون تفويت الواقع حينئذ مستندا إلى الشارع لا محالة.