من كونه حقيقة ؛ لأنّ الحكم بالإطلاق من حيث عدم البيان ، والعامّ بيان ، فعدم البيان للتقييد جزء من مقتضي الإطلاق ، والبيان للتخصيص مانع عن اقتضاء العامّ للعموم ، فإذا دفعنا المانع عن العموم بالأصل ، والمفروض وجود المقتضي له ، ثبت بيان التقييد وارتفع المقتضي للإطلاق ، فالمطلق دليل تعليقي والعامّ دليل تنجيزي ، والعمل بالتعليقيّ موقوف على طرح التنجيزي ؛ لتوقّف موضوعه على عدمه ، فلو كان طرح التنجيزيّ متوقّفا على العمل بالتعليقيّ ومسبّبا عنه لزم الدور ، بل هو يتوقّف على حجّة اخرى راجحة عليه. فالمطلق دليل تعليقيّ والعام دليل تنجيزي.
______________________________________________________
معانيها الحقيقيّة والمجازيّة ، بل استعمالها في ألف مجاز ، لتعاود القيود عليها بحسب اختلاف أحوال المكلّفين ، لأنّ قوله سبحانه : (أَقِمِ الصَّلاةَ) مثلا قد اريد منه الأمر بطبيعة الصلاة بالنسبة إلى من خلا من مرض وسفر وحالة اضطرار ونحوها ، وأمّا بالنسبة إلى المريض والمسافر والمضطرّ فقد قيّد بقيود شتّى ، وهكذا غيره من الإطلاقات ، ولا أقلّ من تقيّدها بالأفراد الممكنة من الطبيعة.
وربّما يفصّل في القيود بين المتّصلة والمنفصلة بالتزام التجوّز في الثاني دون الأوّل ، بدعوى كون المطلقات المقيّدة بالقيود المتّصلة موضوعة بحسب الهيئة للمقيّدات ، بخلاف المقيّدة بالقيود المنفصلة ، لبقائها على وضعها الأفرادي ، فيكون تقييدها بها مورثا للتجوّز فيها ، كما عرفته في حجّة القول الأوّل. وضعفه يظهر ممّا تقدّم.
وإذا عرفت هذا ظهر لك أنّ إثبات ورود المطلقات في مقام بيان الإطلاق في جميع الأقسام المتقدّمة إنّما هو بمعونة عدم بيان القيد ، أعني : دليل الحكمة ، فعدم بيانه جزء من مقتضى الإطلاق ، بخلاف عموم العامّ ، لكونه بحسب الوضع ، فهو بنفسه مقتض للعموم ، والتخصيص مانع منه ، فهو بضميمة أصالة عدم المخصّص صالح للبيانيّة ، فيقيّد بإطلاق المطلق ، ولا يمكن العكس ، وكيف لا وهو مستلزم للدور كما قرّره المصنّف قدسسره وبعبارة اخرى : أنّ الشكّ في إرادة الإطلاق مسبّب عن الشكّ في إرادة العموم ، فلو انعكس الأمر ايضا لزم الدور ، فلا بدّ أن يكون الشكّ في إرادة العموم مسبّبا عن أمر خارجي.