والغرض من إطالة الكلام في ذلك التنبيه على وجوب التأمّل في علاج الدلالة عند التعارض ؛ لأنّا قد عثرنا في كتب الاستدلال على بعض الزلّات ، والله مقيل العثرات.
وحيث فرغنا عن بعض الكلام في المرجّحات من حيث الدلالة التي هي مقدّمة على غيرها ، فلنشرع في مرجّحات الرواية من الجهات الأخر ، فنقول ومن الله التوفيق للاهتداء : قد عرفت أنّ الترجيح : إمّا من حيث الصدور ؛ بمعنى جعل صدور أحد الخبرين أقرب من صدور غيره ، بحيث لو دار الأمر بين الحكم بصدوره وصدور غيره لحكمنا بصدوره. ومورد هذا المرجّح قد يكون في السند كأعدليّة الراوي ، وقد يكون في المتن ككونه أفصح (*).
وإمّا أن يكون من حيث جهة الصدور ، فإنّ صدور الرواية قد يكون لجهة بيان الحكم الواقعي ، وقد يكون لبيان خلافه ؛ لتقيّة أو غيرها من مصالح إظهار خلاف الواقع ، فيكون أحدهما بحسب المرجّح أقرب إلى الصدور لأجل بيان الواقع. وإمّا أن يكون من حيث المضمون ، بأن يكون مضمون أحدهما أقرب في النظر إلى الواقع.
وأمّا تقسيم الأصوليّين المرجّحات (٢٩٤٨) إلى السنديّة والمتنيّة ، فهو باعتبار
______________________________________________________
٢٩٤٨. حاصله : أنّ ما ذكروه من تقسيم المرجّحات إنّما هو باعتبار مورد المرجّح والمحلّ الذي يوجد فيه ، وما ذكره المصنّف رحمهالله إنّما هو باعتبار مورد الرجحان ، أعني : ما يتّصف بصفة الرجحان ، وهما متغايران مفهوما ومصداقا. أمّا الأوّل فواضح. وأمّا الثاني فلأنّ كلّ ما يكون موردا للمرجّح لا يلزم أن يكون موردا للرجحان أيضا ، كالفصاحة والأفصحيّة ، لأنّ موردهما المتن ، ومورد الرجحان الحاصل بهما الصدور ، وكذا النقل باللفظ والمعنى ، لأنّ موردهما المتن ، ومورد الرجحان الحاصل بهما إنّما هو المضمون. وإنّما عدل عن تقسيمهم إلى ما ذكره لعدم حصره لجميع الأقسام ، لأنّ من جملة المرجّحات موافقة الشهرة بحسب
__________________
(*) فى بعض النسخ زيادة : أو كونه منقولا باللفظ.