وأمّا القسم الثاني وهو ما لا يكون معاضدا لأحد الخبرين ، فهي عدّة امور : منها : الأصل ، بناء على كون مضمونه حكم الله الظاهريّ ؛ إذ لو بني على إفادته الظنّ بحكم الله الواقعيّ كان من القسم الأوّل. ولا فرق في ذلك بين الاصول الثلاثة ، أعني أصالة البراءة ، والاحتياط ، والاستصحاب.
لكن يشكل الترجيح بها من حيث إنّ مورد الاصول ما إذا فقد الدليل (٣٠٠٨) الاجتهاديّ المطابق أو المخالف ، فلا مورد لها إلّا بعد فرض تساقط المتعارضين لأجل التكافؤ ، والمفروض أنّ الأخبار (٣٠٠٩) المستفيضة دلّت على التخيير مع فقد المرجّح ، فلا مورد للأصل في تعارض الخبرين رأسا ، فلا بدّ من التزام عدم الترجيح بها ، وأنّ الفقهاء إنّما رجّحوا بأصالة البراءة والاستصحاب في الكتب
______________________________________________________
ثمّ إنّ المصنّف رحمهالله مع ذلك كلّه لم يجزم بتقديم الترجيح بالشهرة على الترجيح بموافقة الكتاب. ولعلّ الوجه فيه أنّ ظاهر المقبولة هو الترجيح بموافقة شهرة الرواية من حيث هي ، مع قطع النظر عن كشفها عن شهرة الفتوى بمضمون الخبر المشهور ، بل مع فرض عدمه كما يدلّ عليه فرض كلّ من الخبرين مشهورين ، وحينئذ فغاية ما تدلّ عليه الشهرة هي قوّة الظنّ بصدور الخبر المشهور ، وهي لا تقاوم القطع بسند الكتاب.
ثمّ إنّ الإشكال المذكور إنّما يرد لو كان الترتيب بين المرجّحات المذكورة في المقبولة أو غيرها معتبرا في مقام الترجيح ، كما هو الظاهر على القول بالاقتصار على المرجّحات المنصوصة. وأمّا على المختار ـ وفاقا للمصنّف رحمهالله ، كما تقدّم سابقا ـ من كون المقصود منها الترجيح بكلّ مزيّة في أحد الخبرين مفقودة في الآخر ، من دون ملاحظة ترتيب ولا عدد خاصّ في المرجّحات ، فلا وقع لهذا الإشكال من أصله.
٣٠٠٨. فلا يكون الأصل مرجّحا.
٣٠٠٩. فلا يكون الأصل مرجعا أيضا.