ـ وهو الموافق للأصل ـ على الناقل وهو الخبر المخالف له. والأكثر من الأصوليّين ـ منهم العلّامة قدسسره وغيره ـ على تقديم الناقل ، بل حكي هذا القول عن جمهور الاصوليّين ، معلّلين ذلك : بأنّ الغالب فيما يصدر من الشارع الحكم بما يحتاج إلى البيان ولا يستغنى عنه بحكم العقل ، مع أنّ الذي عثرنا عليه في الكتب الاستدلاليّة الفرعيّة الترجيح بالاعتضاد بالأصل ، لكن لا يحضرني الآن مورد لما نحن فيه ـ أعني المتعارضين الموافق أحدهما للأصل ، فلا بدّ من التتبّع.
ومن ذلك كون أحد الخبرين متضمّنا للإباحة والآخر مفيدا للحظر ، فإنّ المشهور تقديم الحاظر على المبيح (٢٢) ، بل يظهر من المحكيّ عن بعضهم عدم الخلاف فيه. وذكروا في وجهه ما لا يبلغ حدّ الوجوب ككونه متيقّنا في العمل ؛ استنادا إلى قوله صلىاللهعليهوآله : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" وقوله صلىاللهعليهوآله : " ما اجتمع الحلال والحرام إلّا غلب الحرام الحلال".
وفيه : أنّه لو تمّ هذا الترجيح لزم الحكم بأصالة الحرمة عند دوران الأمر بينها وبين الإباحة ؛ لأنّ وجود الخبرين لا مدخل له في هذا الترجيح ؛ فإنّه من مرجّحات أحد الاحتمالين ، مع أنّ المشهور تقديم الإباحة على الحظر.
فالمتّجه ما ذكره الشيخ قدسسره في العدّة من ابتناء المسألة على أنّ الأصل في الأشياء الإباحة أو الحظر أو التوقّف ، حيث قال : وأمّا ترجيح أحد الخبرين على الآخر من حيث إنّ أحدهما يتضمّن الحظر والآخر الإباحة ، والأخذ بما يقتضي الحظر أو الإباحة ، فلا يمكن الاعتماد عليه على ما نذهب إليه من الوقف ؛ لأنّ الحظر والإباحة جميعا عندنا مستفادان من الشرع ، ولا ترجيح بذلك ، وينبغي لنا التوقّف فيهما جميعا ، أو يكون الإنسان مخيّرا في العمل بأيّهما شاء (٢٣) ، انتهى.
ويمكن الاستدلال لترجيح الحظر بما دلّ على وجوب الأخذ بما فيه (*) الاحتياط من الخبرين ، وإرجاع ما ذكروه من الدليل إلى ذلك ، فالاحتياط وإن لم يجب الأخذ به في الاحتمالين المجرّدين عن الخبر ، إلّا أنّه يجب الترجيح به عند تعارض الخبرين (**).
__________________
(*) فى بعض النسخ : بدل «بما فيه الاحتياط» : بما وافق الاحتياط.
(**) فى بعض النسخ : بدل «تعارض الخبرين» : التعارض.