.................................................................................................
______________________________________________________
الأدلّة لا موافقا ولا مخالفا ، ولا إلى المرجّحات السنديّة ، لفرض قطعيّتهما ، ولا إلى المرجّحات المضمونيّة ، لما عرفت من عدم تأتّيها في القطعيّات ، فينحصر الأمر في المقام في ملاحظة وجه الصدور ثمّ التخيير عقلا لا شرعا.
المقام الخامس : في تعارض الأدلّة العقليّة. فاعلم أنّ حكم العقل إمّا تنجيزيّ أو تعليقي. وعلى الأوّل إمّا أن يكون قطعيّا أو ظنيّا. وعلى هذين : إمّا أن تكون الاستفادة والمستفاد أصليّين ، كحسن الإحسان وقبح العدوان ، لأنّ كلّا من حكم العقل والمحكوم به ـ أعني : استحباب الإحسان وحرمة العدوان ـ أصليّ. وإمّا أن يكونا تبعيّين كوجوب المقدّمة ، لأنّ كلّا من حكم العقل به ونفس الوجوب بتبعيّة وجوب ذيها ، ولأجل التوصّل إلى الإتيان به. ومثله الحكم بحرمة فعل بواسطة حرمة ضدّه.
وإمّا أن تكون الاستفادة تبعيّة والمستفاد أصليّا ، مثل النظر إلى الأجنبيّة في المرآة ، لأنّ الحكم بالحرمة ـ على القول بها ـ إنّما هو بتبعيّة حكم الشارع بحرمة أصل النظر ، لكنّ المحكوم به ـ أعني : الحرمة ـ أمر مستقلّ أصليّ. ومثل استفادة أقلّ الحمل من الآيتين ، لأنّه مستفاد من بيان تعب الأمّ في الحمل والفصال في قوله تعالى : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) ومن بيان أكثر مدّة الفصال في قوله سبحانه : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) لكن كون أقلّ الحمل ستّة أشهر أمر مستقلّ أصلي. ومثل الأولويّة الظنّية ، لأنّ حكم الفرع مستفاد بواسطة حكم الأصل وإن كان حكم الفرع أصليّا.
وأمّا صورة العكس ، أعني : كون الاستفادة أصليّة والمستفاد تبعيّا ، فلم يوجد لها مثال في العقليات. نعم ، له مثال في الشرعيّات ، كما إذا حكم الشارع بوجوب مقدّمة من مقدّمات الواجب ، كتحصيل الماء للوضوء مثلا إذا أمر الشارع به ، لأنّ استفادة الحكم من خطاب الشرع أصليّة ، وليست بتبعيّة شيء آخر ، لكنّ الحكم ـ أعني : الوجوب ـ تبعيّ ، لأنّ وجوب المقدّمة لأجل وجوب ذيها.