وأما الأحكام الشرعية سواء كان مدركها العقل أم النقل ، فيشكل حصوله فيها ، لأنه لا يكاد يشك في بقاء الحكم إلّا من جهة الشك في بقاء موضوعه ، بسبب تغير بعض ما هو عليه مما احتمل دخله فيه حدوثا أو بقاء ، وإلّا لما تخلّف الحكم عن موضوعه إلّا بنحو البداء بالمعنى المستحيل في حقه تعالى ، ولذا كان النسخ بحسب الحقيقة دفعا لا رفعا.
______________________________________________________
بأن يكون الموضوع والمحمول في إحداهما متحدين مع الموضوع والمحمول في الاخرى ، وهذا الاتحاد حاصل في الشبهات الموضوعية غالبا كما في استصحاب عدالة زيد أو عدم ملاقاة الثوب مع النجاسة ونحو ذلك. نعم ، قد لا يحصل فيها هذا الاتحاد بين القضيتين حقيقة كما في الشك في بقاء الماء على كريته إذا نقص منه مقدار أوجب الشك في كرية الباقي فإن ما علم كريته من قبل لم يكن مجرد هذا الماء بعينه ، وعدم الاتحاد حقيقة.
في جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية وعدمه
مفروض في جميع الشبهات الحكمية ، مثلا إذا علم حرمة العصير العنبي بعد غليانه وشك في بقاء الحرمة بعد صيرورته دبسا قبل ذهاب ثلثيه فلا يمكن دعوى أن الاتحاد بين القضيتين حقيقي ؛ لأن المتيقن حرمة العصير الذي لم يكن دبسا ، والمشكوك حرمة ما صار دبسا بعد الغليان ، وعلى الجملة لا يحصل الاتحاد كما ذكر في الشبهات الحكمية إلّا في مورد الشك في النسخ بمعناه الحقيقي المستحيل في حقه سبحانه ؛ ولذا ذكروا أن النسخ في الشريعة دفع في الحقيقة لا رفع ، والحاصل أن الحكم لا يختلف عن موضوعه ، وإذا شك في بقاء الحكم في الشبهة الحكمية فلا بد من فرض تخلف أمر يحتمل دخله في موضوع الحكم قيدا له فلا يكون حينئذ شك في البقاء حقيقة ، وهذا محصل ما يقال من أن الاستصحاب على النحو المذكور من