وكذلك قد قيل في قوله : ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) (٣) أي : لا يقتل بعضكم بعضا ، وإنْ كانوا غير متساويين.
وقال تعالى : ( وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ) (٤) أي ، لا يلمز بعضكم بعضا فيطعن عليه ويعيبه ، وهذا نهي لجميع المؤمنين أن لا يفعل بعضهم ببعض هذا الطعن ، مع أنّهم غير متساوين لا في الأحكام ولا في الفضيلة ، ولا الظالم كالمظلوم ، ولا الإمام كالمأموم.
ومن هذا الباب قوله تعالى : ( ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ ) (٥) أي : يقتل بعضكم بعضاً.
وإذا كان اللفظ في قوله : ( وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) كاللفظ في قوله : ( وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ) .. ( لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً ) ونحو ذلك ، مع أنّ التساوي هنا ليس بواجب ، بل ممتنع ، فكذلك هناك وأشدّ.
بل هذا اللفظ يدلّ على المجانسة والمشابهة ، والتجانس والمشابهة يكون بالإشتراك في بعض الأُمور ، كالإشتراك في الإيمان ، فالمؤمنون إخوة في الإيمان ، وهو المراد بقوله : ( لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً ) وقوله : ( وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ).
وقد يكون بالاشتراك في الدين ، وإنْ كان فيهم المنافق ، كاشتراك المسلمين في الإسلام الظاهر ، وإنْ كان مع ذلك الاشتراك في النسب فهو أوكد ، وقوم موسى كانوا ( أَنْفُسَنا ) بهذا الاعتبار.
قوله تعالى : ( تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) أي : رجالنا ورجالكم ، أي : الرجال الّذين هم من جنسنا في الدين والنسب ، والرجال الّذين هم من جنسكم ، والمراد التجانس في القرابة فقط ؛