والعمل تضيّعون ! ، يوشك ربّ العمل أن يطلب عمله ، وتوشكون أن تخرجوا من الدنيا العريضة إلى ظلمة القبر وضيقه ، الله نهاكم عن الخطايا كما أمركم بالصيام والصلاة ، كيف يكون من أهل العلم من سخط رزقه ، واحتقر منزلته ، وقد علم أنّ ذلك من علم الله وقدرته ؟ وكيف يكون من أهل العلم من اتّهم الله فيما قضى له فليس يرضى شيئاً أصابه ؟ كيف يكون من أهل العلم من دنياه عنده آثر (١) من آخرته وهو مقبل على دنياه ، وما يضرّه أحبّ إليه ممّا ينفعه ؟ كيف يكون من أهل العلم من يطلب الكلام ليخبر به ولا يطلب ليعمل به ؟ .
٦٧ ـ ومن كلامه عليهالسلام ويلٌ للعلماء السوء تصلى (٢) عليهم النار . ثمّ قال : اشتدّت مؤونة الدنيا ومؤونة الآخرة : أمّا مؤونة الدنيا فإنّك لا تمدّ يدك إلى شيء منها إلّا فاجرٌ قد سبقك إليه ، وأمّا مؤونة الآخرة فإنّك لا تجد أعواناً يعينونك عليها .
٦٨ ـ وعن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إنَّ العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته عن القلوب كما يزلُّ المطر عن الصفا (٣) .
٦٩ ـ وقال أمير المؤمنين عليهالسلام ـ في كلام له خطبه على المنبر ـ : أيّها الناس إذا علمتم فاعملوا بما علمتم لعلّكم تهتدون ، إنَّ العالم العامل بغيره كالجاهل الحائر الّذي لا يستفيق عن جهله ، بل قد رأيت الحجّة عليه أعظم والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ عن علمه منها على هذا الجاهل المتحيّر في جهله ، وكلاهما حائر بائر (٤) لا ترتابوا فتشكّوا ولا تشكّوا فتكفروا ، ولا ترخصوا لأنفسكم ، فتدهنوا (٥) ولا تدهنوا في الحقّ فتخسروا (٦) ، وإنّ من الحقّ أن تفقّهوا ، ومن الفقه أن لا تغترّوا ، وإنّ أنصحكم لنفسه أطوعكم لربّه ،
________________________
(١) آثره إيثارا : اختاره ، فضّله .
(٢) صلى فلانا النار وفيها وعليها . أدخله إياها وأثواه فيها .
(٣) الحجر الصلد الضخم .
(٤) يقال : حائر وبائر . أي لا يطيع مرشداً ولا يتّجه لشيء .
(٥) أي تخدعوا وتختلوا .
(٦) أي فتضلوا وتهلكوا .