دون المؤمنين للدلالة على سبب الحكم وعلته ، وهو أن صفتي الكفر والإيمان مع ما فيهما من البعد والبينونة ولا محالة يسري ذلك الى من اتصف بهما فيفرق بينهما في المعارف والأخلاق وطريق السلوك الى الله تعالى وسائر شؤون الحيوة لا يلائم حالهما مع الولاية فان الولاية يوجب الاتحاد والامتزاج ، وهاتان الصفتان توجبان التفرق والبينونة ؛ وإذا قويت الولاية كما اذا كان من دون المؤمنين أوجب ذلك فساد خواص الايمان وآثاره ثم فساد أصله ، ولذلك عقبه بقوله : ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء ، ثم عقبه أيضاً بقوله : الا أن تتقوا منهم تقية ، فاستثنى التقية فان التقية إنما توجب صورة الولاية في الظاهر دون حقيقتها .
ودون في قوله : من دون المؤمنين كأنه ظرف يفيد معنى عند مع شوب من معنى السفالة والقصور ، والمعنى : مبتدئاً من مكان دون مكان المؤمنين فإنهم أعلى مكاناً .
والظاهر أن ذلك هو الأصل في معنى دون فكان في الأصل يفيد معنى الدنو مع خصوصية الانخفاض فقولهم دونك زيد أي هو في مكان يدنو من مكانك واخفض منه كالدرجة دون الدرجة ثم استعمل بمعنى غير كقوله : « إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ » المائدة ـ ١١٦ ، وقوله : « وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ » النساء ـ ٤٨ ؛ أي ما سوى ذلك أو ما هو أدون من ذلك وأهون ، كذا استعمل اسم فعل كقولهم : دونك زيداً أي الزمه ، كل ذلك من جهة الانطباق على المورد دون الاشتراك اللفظي .
قوله تعالى : ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء ؛ أي ومن يتخذهم أولياء من دون المؤمنين ، وإنما بدل من لفظ عام للإشعار بنهاية نفرة المتكلم منه حتى أنه لا يتلفظ به الا بلفظ عام كالتكنية عن القبائح ، وهو شائع في اللسان ؛ ولذلك أيضاً لم يقل : ومن يفعل ذلك من المؤمنين كأن فيه صوتاً للمؤمنين من أن ينسب اليهم مثل هذا الفعل .
ومن في قوله : من الله ، للابتداء ، ويفيد في أمثال هذا المقام معنى التحزب أي ليس من حزب الله في شيء كما قال تعالى : « وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ » المائدة ـ ٥٦ ، وكما فيما حكاه عن ابراهيم عليهالسلام من قوله : « فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي » ابراهيم ـ ٣٦ ، أي من حزبي ، وكيف كان فالمعنى والله أعلم : ليس من حزب الله مستقراً في شيء من الأحوال والآثار .