قوله تعالى : إلا أن تتقوا منهم تقية ، الاتقاء في الأصل أخذ الوقاية للخوف ثم ربما استعمل بمعنى الخوف استعمالاً للمسبب في مورد السبب ولعل التقية في المورد من هذا القبيل .
والاستثناء منقطع فإن التقرب من الغير خوفاً بإظهار آثار التولي ظاهراً من غير عقد القلب على الحب والولاية ليس من التولي في شيء لأن الخوف والحب أمران قلبيان متبائنان ومتنافيان أثراً في القلب فكيف يمكن اتحادهما ؟ فاستثناء الاتقاء استثناء منقطع .
وفي الآية دلالة ظاهرة على الرخصة في التقية على ما روي عن أئمة أهل البيت عليهم السلام كما تدل عليه الآية النازلة في قصة عمار وأبويه ياسر وسمية وهي قوله تعالى : « مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ » النحل ـ ١٠٦ .
وبالجملة الكتاب والسنة متطابقان في جوازها في الجملة ، والاعتبار العقلي يؤكده إذ لا بغية للدين ، ولا هم لشارعه إلا ظهور الحق وحياته ، وربما يترتب على التقية والمجاراة مع أعداء الدين ومخالفي الحق من حفظ مصلحة الدين وحيوة الحق ما لا يترتب على تركها ، وإنكار ذلك مكابرة وتعسف ، وسنستوفي الكلام فيها في البحث الروائي التالي ، وفي الكلام على قوله تعالى : « مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ » النحل ـ ١٠٦ .
قوله
تعالى : ويحذركم الله نفسه والى الله المصير ، التحذير
تفعيل من الحذر وهو الاحتراز من أمر مخيف وقد حذر الله عباده من عذابه كما قال تعالى : « إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا
» أسرى ـ ٥٧ ، وحذر من المنافقين وفتنة الكفار فقال : « هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ
» المنافقين ـ ٤ ، وقال : « وَاحْذَرْهُمْ
أَن يَفْتِنُوكَ » المائدة ـ ٤٩ ، وحذرهم من نفسه كما في هذه الآية وما يأتي بعد آيتين ، وليس ذلك إلا للدلالة على أن
الله سبحانه نفسه هو المخوف الواجب الاحتراز فيهذه المعصية ، أي ليس بين هذا المجرم
وبينه تعالى شيء مخوف آخر حتى يتقى عنه بشيء أو يتحصن منه بحصن ، وإنما هو الله الذي لا عاصم منه ، ولا أن بينه وبين الله سبحانه أمر مرجو في دفع الشر عنه من ولي