وقال : « وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ » الانفطار ـ ١٩ ، إذ من المعلوم أن الله سبحانه له كل الملك والقدرة والقوة والأمر دائما ـ قبل القيامة وفيها وبعدها ـ وإنما اختص يوم القيامة بظهور هذه الامور لنا معاشر الخلائق ظهوراً لا ريب فيه .
ومن ذلك يظهر أن تعلق الظرف بقوله : يعلمه الله ، لا يفيد تأخر علمه تعالى بسرائر عباده من خير أو شر الى يوم القيامة .
على أن في قوله تعالى : محضراً ، دون أن يقول : حاضراً دلالة على ذلك فإن الإحضار إنما يتم فيما هو موجود غائب فالأعمال موجودة محفوظة عن البطلان يحضرها الله تعالى لخلقه يوم القيامة ، ولا حافظ لها إلا الله سبحانه ، قال تعالى : « وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ » سبأ ـ ٢١ ، وقال : « وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ » ق ـ ٤ .
وقوله : تجد ، من الوجدان خلاف الفقدان ، ومن في قوله : من خير ومن سوء للبيان ، والتنكير للتعميم ، أي تجد كل ما عملت من الخير وإن قل وكذا من السوء وقوله : وما عملت من سوء ، معطوف على قوله ما عملت من خير على ما هو ظاهر السياق والآية من الآيات الدالة على تجسم الأعمال ، وقد مر البحث عنها في سورة البقرة .
قوله تعالى : تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ، الظاهر أنه خبر لمبتدأ محذوف وهو الضمير الراجع الى النفس ، ولو للتمني ، وقد كثر دخوله في القرآن على أن المفتوحة المشددة ، فلا يعبأ بما قيل من عدم جوازه وتأويل ما ورد فيه ذلك من الموارد .
والأمد يفيد معنى الفاصلة الزمانية ؛ قال الراغب في مفردات القرآن : الأمد والأبد يتقاربان ، لكن الابد عبارة عن مدة الزمان التي ليس لها حد محدود ، ولا يتقيد ، لا يقال : أبد كذا ، والأمد مدة لها حد مجهول إذا اطلق ، وقد ينحصر نحو أن يقال : أمد كذا ، كما يقال : زمان كذا ، والفرق بين الزمان والأمد ، أن الأمد يقال باعتبار الغاية ، والزمان عام في المبدء والغاية ، ولذا قال بعضهم : الأمد والمدى يتقاربان ، انتهى .
وفي قوله : تود لو أن بينها وبينه أمداً
بعيداً ، دلالة على أن حضور سيء العمل يسوء النفس كما يشعر بالمقابلة بأن حضور خير العمل يسرها ، وإنما تود الفاصلة الزمانية
بينها وبينه دون أن تود أنه لم يكن من أصله لما يشاهد من بقائه بحفظ الله فلا يسعها