إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ » الجاثية ـ ١٦ ، كل ذلك ظاهر .
ولا أن تفضيلهم على العالمين ينافي تفضيل غيرهم على العالمين ، ولا تفضيل غيرهم عليهم فإن تفضيل قوم واحد أو أقوام مختلفين على غيرهم إنما يستلزم تقدمهم في فضيلة دنيوية أو اخروية على من دونهم من الناس ، ولو نافى تفضيلهم على الناس تفضيل غيرهم أو نافى تفضيل هؤلاء المذكورين في الآية أعني آدم ونوح وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين تفضيل غيرهم على العالمين لاستلزم ذلك التنافي بين هؤلاء المذكورين في الآية أنفسهم ؛ وهو ظاهر .
ولا أن تفضيل هؤلاء على غيرهم ينافي وقوع التفاضل فيما بينهم أنفسهم فقد فضل الله النبيين على سائر العالمين وفضل بعضهم على بعض ؛ قال تعالى : « وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ » الأنعام ـ ٨٦ ، وقال أيضاً : « وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ » أسرى ـ ٥٥ .
وأما آل عمران فالظاهر أن المراد بعمران أبو مريم كما يشعر به تعقيب هاتين الآيتين بالآيات التي تذكر قصة امرأة عمران ومريم ابنة عمران ، وقد تكرر ذكر عمران أبي مريم باسمه في القرآن الكريم ، ولم يرد ذكر عمران أبي موسى حتى في موضع واحد يتعين فيه كونه هو المراد بعينه ، وهذا يؤيد كون المراد بعمران في الآية أبا مريم عليها السلام وعلى هذا فالمراد بآل عمران هو مريم وعيسى عليهما السلام أو هما وزوجة عمران .
وأما ما يذكر أن النصارى غير معترفين بكون اسم أبي مريم عمران فالقرآن غير تابع لهواهم .
قوله تعالى : ذرية بعضها من بعض ؛ الذرية في الأصل صغار الأولاد على ما ذكروا ثم استعملت في مطلق الأولاد ، وهو المعنى المراد في الآية ؛ وهي منصوبة عطف بيان .
وفي قوله : بعضها من بعض دلالة على أن كل
بعض فرض منها يبتدیء وينتهي من البعض الآخر واليه . ولازمه كون المجموع متشابه الأجزاء لا يفترق البعض من البعض في أوصافه وحالاته ، وإذا كان الكلام في اصطفائهم أفاد ذلك أنهم ذرية لا يفترقون في صفات الفضيلة التي اصطفاهم الله لأجلها على العالمين إذ لا جزاف ولا
لعب