وبذلك يظهر معنى انتقال الروح القديمة في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، فالروح متحد الوجود مع البدن بوجه وهو النطفة وما يمدها من دم الحيض وهي المتحدة مع بدنى الأبوين وهما مع النطفة وهلمَّ جراً ، فما يجري على الإنسان متعين في الجملة في وجود آبائه وامهاته ، مشهود في صور أشخاصهم ، وهو بوجه كالفهرس المأخوذ من الكتاب الموضوع قبله .
وبه يظهر معنى قوله عليهالسلام : فيوحي الله عز وجل إليهما أي إلى الملكين أن ارفعا رؤوسكما إلى رأس امه ، وذلك أن الذي لأبيه من شرح قضائه وقدره قد انقطع عنه بانفصال النطفة ، فما بقي متصلاً به إلا امه ، وهو قوله عليهالسلام : فإذاً اللوح يقرع جبهة امه والجبهة مجتمع حواس الإنسان وطليعة وجهه فينتظران فيه فيجدان في اللوح صورته وزينته وأجله وميثاقه سعيداً أو شقياً وجميع شأنه ، فيملي أحدهما على صاحبه فنسبتهما شبيهة نسبة الفاعل والقابل فيكتبان جميع ما في اللوح .
قوله عليهالسلام : ويشترطان البداء فيما يكتبان ، وذلك لعدم اشتمال صورته على تمام علل حوادثه المستقبلة ، فإن الصورة وإن كانت مبدئاً لجميع ما يجري على الانسان من أحواله والحوادث المختصة به لكن ليست بالمبدء كله بل للامور والحوادث الخارجة عنه دخالة في ذلك ، ولذلك كان الذي يتراءى منها من الحوادث غير حتمي الوقوع ، فكانت مظنة للبداء .
وأعلم : أن نسبة تفاصيل الولادة إلى تحريك الله سبحانه الرجل ، ووحيه إلى الرحم ، وإرسال الملكين الخلاقين والملك الزاجر إلى غير ذلك لا ينافي استناد هذه الحوادث ومنها الولادة إلى أسبابها الطبيعية ، فإن هذين القبيلين من الأسباب أعني الأسباب المعنوية والأسباب المادية واقعان أحدهما في طول الآخر لا في عرضه حتى يبطل أحدهما الآخر ، أو يتدافعا فيبطلا معاً ، أو يعود الأمر إلى تركب العلة التامة من مجموع السببين ، بل كل منهما علة تامة لكن في مرتبته .
فمن أقامه الله سبحانه لهداية الناس إلى
سعادتهم المعنوية وسلوكهم إلى مرضاته وهم الأنبياء عليهم السلام ـ والطريق طريق الباطن ـ فإنما وظيفته أن يكلم الناس بلسان يسلك بهم مسلك الباطن ويذكرهم مقام ربهم في جميع بياناته ، وهو توسيط الملائكة واستناد الحوادث إلى أعمالهم ، ونسبة السعادة إِلى تأييدهم ، ونسبة الشقاء