قوله تعالى : ذلك من أنباء الغيب نوحيه اليك ؛ عده من أنباء الغيب نظير ما عدت قصة يوسف عليهالسلام من أنباء الغيب التي توحي إلى رسول الله ؛ قال تعالى : « ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ » يوسف ـ ١٠٢ ، وأما ما يوجد من ذلك عند أهل الكتاب فلا عبرة به لعدم سلامته من تحريف المحرفين كما أن كثيراً من الخصوصيات المقتصة في قصص زكريا غير موجودة في كتب العهدين على ما وصفه الله في القرآن .
ويؤيد هذا الوجه قوله تعالى في ذيل الآية : وما كنت لديهم إذ يلقون « الخ » .
على أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقومه كانوا اميين غير عالمين بهذه القصص ولا أنهم قرئوها في الكتب كما ذكره تعالى بعد سرد قصة نوح : « تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَٰذَا » هود ـ ٤٩ ، والوجه الأول أوفق بسياق الآية .
قوله تعالى : وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم « الخ » ؛ القلم بفتحتين القدح الذي يضرب به القرعة ، ويسمى سهماً أيضاً ، وجمعه أقلام ، فقوله : يلقون أقلامهم أي يضربون بسهامهم ليعينوا بالقرعة أيهم يكفل مريم .
وفي هذه الجملة دلالة على أن الاختصام الذي يدل عليه قوله : وما كنت لديهم إذ يختصمون إنما هو اختصامهم وتشاحهم في كفالة مريم ، وأنهم لم يتناهوا حتى تراضوا بالاقتراع بينهم فضربوا بالقرعة فخرج السهم لزكريا فكفلها بدليل قوله : فكفلها زكريا ، الآية .
وربما احتمل بعضهم أن هذا الاختصام والاقتراع بعد كبرها وعجز زكريا عن كفالتها ، وكأن منشائه ذكر هذا الاقتراع والاختصام بعد تمام قصة ولادتها واصطفائها وذكر كفالة زكريا في أثنائها ، فيكونان واقعتين اثنتين .
وفيه أنه لا ضير في إعادة بعض خصوصيات القصة
أو ما هو بمنزلة الإعادة لتثبيت الدعوى كما وقع نظيره في قصة يوسف حيث قال تعالى بعد تمام القصة ـ : « ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ
وَهُمْ يَمْكُرُونَ » يوسف ـ ١٠٢ ، يشير بذلك إلى معنى قوله تعالى في أوائل القصة : « إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ
أَحَبُّ إِلَىٰ