ويمكن أن يكون الكلام من قبيل قوله تعالى : « قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ » المؤمنون ـ ٩٩ ، فهو من الاستغاثة المعترضة في الكلام .
قوله سبحانه : قال كذلك الله يفعل ما يشاء إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون قد مرت الإشارة إلى أن تطبيق هذا الجواب بما في سورة مريم من قوله : « قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا » مريم ـ ٢١ ، يفيد أن يكون قوله هيهنا : كذلك كلاماً تاماً تقديره : الأمر كذلك ومعناه أن الذي بشرت به أمر مقضي لا مرد له .
وأما التعجب من هذا الأمر فإنما يصح لو كان هذا الأمر مما لا يقدر عليه الله سبحانه أو يشق : أما القدرة فإن قدرته غير محدودة يفعل ما يشاء ، وأما صعوبته ومشقته فإن العسر والصعوبة إنما يتصور إذا كان الأمر مما يتوسل إليه بالأسباب فكلما كثرت المقدمات والأسباب وعزت وبعد منالها اشتد الأمر صعوبة ، والله سبحانه لا يخلق ما يخلق بالأسباب بل إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون .
فقد ظهر أن قوله : كذلك كلام تام أُريد به رفع اضطراب مريم وتردد نفسها ، وقوله : الله يخلق ما يشاء ، رفع العجز الذي يوهمه التعجب ، وقوله : إذا قضى ، رفع لتوهم العسر والصعوبة .
قوله تعالى : ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ، اللام في الكتاب والحكمة للجنس . وقد مر أن الكتاب هو الوحي الرافع لاختلافات الناس ؛ والحكمة هي المعرفة النافعة المتعلقة بالاعتقاد أو العمل ، وعلى هذا فعطف التوراة والإنجيل على الكتاب والحكمة مع كونهما كتابين مشتملين على الحكمة من قبيل ذكر الفرد بعد الجنس لأهمية في اختصاصه بالذكر ، وليست لام الكتاب للاستغراق لقوله تعالى : « وَلَمَّا جَاءَ عِيسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ » الزخرف ـ ٦٣ ، وقد مر بيانه .
وأما التوراة فالذي يريده القرآن منها هو
الذي نزله الله على موسى عليهالسلام
في الميقات في ألواح على ما يقصه الله سبحانه في سورة الأعراف ؛ وأما الذي عند اليهود
من الأسفار فهم معترفون بانقطاع اتصال السند ما بين بختنصر من ملوك بابل وكورش