ونظير ذلك في دعوة الإسلام بيعة العقبة وبيعة الشجرة أراد بها رسول الله صلی الله عليه وآله ركوز القدرة وتجمع القوة ليستقيم به أمر الدعوة .
فلما أيقن عيسى عليهالسلام أن دعوته غير ناجحة في بني إسرائيل كلهم أو جلهم ، وأنهم كافرون به لا محالة ، وأنهم لو أخمدوا أنفاسه بطلت الدعوة واشتدت المحنة مهد لبقاء دعوته هذا التمهيد فاستنصر منهم للسلوك إلى الله سبحانه فأجابه الحواريون على ذلك فتميزوا من سائر القوم بالإيمان فكان ذلك أساساً لتميز الإيمان من الكفر وظهوره عليه بنشر الدعوة وإقامة الحجة كما قال تعالى : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ » الصف ـ ١٤ .
وقد قيد الأنصار في قوله : من أنصاري بقوله : إلى الله ليتم به معنى التشويق والتحريص الذي سيق لأجله هذا الاستفهام نظير قوله تعالى : « مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا » البقرة ـ ٢٤٥ .
والظرف متعلق بقوله : أنصاري ، بتضمين النصرة معنى السلوك والذهاب أو ما يشابههما كما حكى عن إبراهيم عليهالسلام من قوله : « إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ » الصافات ـ ٩٩ .
وأما ما احتمله بعض المفسرين من كون إلى بمعنى مع فلا دليل عليه ولا يساعد أدب القرآن أن يجعله تعالى في عداد غيره فيعد غير الله ناصراً كما يعده ناصراً ، ولا يساعد عليه أدب عيسى عليهالسلام اللائح مما يحكيه القرآن من قوله ، على أن قوله تعالى : قال الحواريون نحن أنصار الله ، أيضاً لا يساعد عليه إذ كان من اللازم على ذلك أن يقولوا : نحن أنصارك مع الله فليتأمل .
قوله تعالى : قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ؛ حواري الإنسان من اختص به من الناس ، وقيل أصله من الحور وهو شدة البياض ؛ ولم يستعمل القرآن هذا اللفظ إلا في خواص عيسى عليهالسلام من أصحابه .
وقولهم : آمنا بالله ، بمنزل التفسير لقولهم
: نحن أنصار الله وهذا مما يؤيد كون