قوله : أنصاري إلى الله جارياً مجرى التضمين كما مر فإنه يفيد معنى السلوك في الطريق إلى الله ، والإيمان طريق .
وهل هذا أول إيمانهم بعيسى عليهالسلام ؟ ربما استفيد من قوله تعالى : « كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ » الصف ـ ١٤ ، أنه إيمان بعد إيمان ، ولا ضير فيه كما يظهر بالرجوع إلى ما أوضحناه من كون الإيمان والإسلام ذوي مراتب مختلفة بعضها فوق بعض .
بل ربما دل قوله تعالى : « وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ » المائدة ـ ١١١ ، أن إجابتهم إنما كانت بوحي من الله تعالى إليهم ، وأنهم كانوا أنبياء فيكون الإيمان الذي أجابوه به هو الإيمان بعد الإيمان .
على أن قولهم : وأشهد بأننا مسلمون ربنا آمنا بما أنزلت وأتبعنا الرسول ، وهذا الإسلام هو التسليم المطلق لجميع ما يريده الله تعالى منهم وفيهم ـ يدل أيضاً على ذلك فإن هذا الإسلام لا يتأتى إلا من خلص المؤمنين لا من كل من شهد بالتوحيد والنبوة مجرد شهادة ، بيان ذلك أنه قد مر في البحث عن مراتب الإيمان والإسلام : أن كل مرتبة من الإيمان تسبقها مرتبة من مراتب الإسلام كما يدل عليه قولهم : آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون ، حيث أتوا في الإيمان بالفعل وفي الإسلام بالصفة فأول مراتب الإسلام هو التسليم والشهادة على أصل الدين إجمالاً ، ويتلوه الإذعان القلبي بهذه الشهادة الصورية في الجملة ، ويتلوه ( وهو المرتبة الثانية من الإسلام ) التسليم القلبي لمعنى الإيمان وينقطع عنده السخط والاعتراض الباطني بالنسبة الى جميع ما يأمر به الله ورسوله وهو الاتباع العملي في الدين ، ويتلوه ( وهو المرتبة الثانية من الإيمان ) خلوص العمل واستقرار وصف العبودية في جميع الأعمال والأفعال ، ويتلوه ( وهو المرتبة الثالثة من الإسلام ) التسليم لمحبة الله وإرادته تعالى فلا يحب ولا يريد شيئاً إلا بالله ، ولا يقع هناك إلا ما أحبه الله وأراده ولا خبر عن محبة العبد وإرادته في نفسه ، ويتلوه ( وهو المرتبة الثالثة من الإيمان ) شيوع هذا التسليم العبودي في جميع الأعمال .
فإذا تذكرت هذا الذي ذكرناه ، وتأملت في
قوله عليهالسلام
فيما نقل من دعوته : فاتقوا الله وأطيعون إن ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم الآية ، وجدت أنه عليهالسلام
أمر أولاً بتقوى الله وإطاعة نفسه ثم علل ذلك بقوله : إن الله ربي وربكم ،