أي إن الله ربكم معشر الامة ورب رسوله الذي أرسله اليكم ، فيجب عليكم أن تتقوه بالإيمان ، وأن تطيعوني بالاتباع ، وبالجملة يجب عليكم أن تعبدوه بالتقوى وطاعة الرسول أي الإيمان والاتباع ، فهذا هو المستفاد من هذا الكلام ، ولذا بدّل التقوى والإطاعة في التعليل من قوله : فاعبدوه وإنما فعل ذلك ليتضح ارتباط الأمر بالله لظهور الارتباط به في العبودية ثم ذكر أن هذه العبادة صراط مستقيم فجعله سبيلاً ينتهي بسالكه الى الله سبحانه .
ثم لما أحس منهم الكفر ولاحت أسباب اليأس من إيمان عامتهم قال من أنصاري الى الله فطلب أنصاراً لسلوك هذا الصراط المستقيم الذي كان يندب اليه ، وهو العبودية أعني التقوى والإطاعة فأجابه الحواريون بعين ما طلبه فقالوا : نحن أنصار الله ، ثم ذكروا ما هو كالتفسير له فقالوا : آمنا بالله وأشهد بأنا مسلمون ، ومرادهم بالإسلام إطاعته وتبعيته ، ولذا لما خاطبوا ربهم خطاب تذلل والتجاء ، وذكروا له ما وعدوا به عيسى عليهالسلام قالوا : ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول ، فبدلوا الإسلام من الاتباع ، ووسعوا في الإيمان بتقييده بجميع ما أنزل الله .
فأفاد ذلك أنهم آمنوا بجميع ما أنزل الله مما علمه عيسى بن مريم من الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ، واتبعوا الرسول في ذلك ، وهذا كما ترى ليس أول درجة من الإيمان بل من أعلى درجاته وأسماها .
وإنما استشهدوا عيسى عليهالسلام في إسلامهم واتباعهم ولم يقولوا : آمنا بالله وإنا مسلمون أو ما يفيد معناه ليكونوا على حجة في عرضهم حالهم على ربهم إذ قالوا : ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول ، فكأنهم قالوا : ربنا حالنا هذا الحال ، ويشهد بذلك رسولك .
قوله
تعالى : ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول
فاكتبنا مع الشاهدين ، مقول قول الحواريين حذف القول من اللفظ للدلالة على حكاية نفس الواقعة وهو من الأساليب اللطيفة في القرآن الكريم ، وقد مر بيانه ، وقد سألوا ربهم أن يكتبهم من الشاهدين
، وفرّعوا ذلك على إيمانهم وإسلامهم جميعاً لأن تبليغ الرسول رسالته إنما يتحقق ببيانه
ما أنزله الله عليه قولاً وفعلاً ، أي بتعليمه معالم الدين وعمله بها ، فالشهادة على
التبليغ