وهذا أحد الشواهد على أن المراد بالتفويق في الآية السابقة هو التسليط بالسيطرة والقوة دون التأييد بالحجة .
وفي قوله : وما لهم من ناصرين دلالة على نفي الشفاعة المانعة عن حلول العذاب بساحتهم ، وهو حتم القضاء كما تقدم .
قوله تعالى : أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم اجورهم ؛ وهذا وعد حسن بالجزاء الخير للذين اتبعوا إلا أن مجرد صدق الاتباع لما لم يستلزم استحقاق جزيل الثواب لأن الاتباع كما عرفت وصف صادق على الامة بمجرد تحققه وصدوره عن عدة من أفرادها وحينئذ إنما يؤثر الأثر الجميل والثواب الجزيل بالنسبة إلى من تلبس به شخصاً دون من انتسب اليه اسماً فلذلك بدل الذين اتبعوك من مثل قوله : الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، ليستقيم المعنى فإن السعادة والعاقبة الحسنى تدور مدار الحقيقة دون الاسم كما يدل عليه قوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ » البقرة ـ ٦٢ .
فهذا أجر الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الذين اتبعوا عيسى (ع) أن الله يوفيهم اجورهم ، وأما غيرهم فليس لهم من ذلك شيء وقد اشير إلى ذلك في الآية بقوله : والله لا يحب الظالمين .
ومن هنا يظهر السر في ختم الآية ـ وهي آية الرحمة والجنة ـ بمثل قوله : والله لا يحب الظالمين مع أن المعهود في آيات الرحمة والنعمة أن تختتم بأسماء الرحمة والمغفرة أو بمدح حال من نزلت في حقه الآية نظير قوله تعالى : « وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ » الحديد ـ ١٠ ، وقوله تعالى : « إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ » التغابن ـ ١٧ ، وقوله تعالى : « وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ » التغابن ـ ٩ ، وقوله تعالى : « فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ » الجاثيه ـ ٣٠ ، إلى غير ذلك من الآيات .
فقوله : والله لا يحب الظالمين مسوق لبيان
حال الطائفة الاخرى ممن انتسب