وهيهنا وجه آخر : وهو أن يكون المراد بالمعاينة المنفية معاينة حقيقة الملك في نفسه دون مثاله الذي يتمثل به فإن الآيات لا تثبت أزيد من معاينة المثال كما هو ظاهر .
وهيهنا وجه آخر ثالث احتمله بعضهم : وهو أن المنفي من المعاينة الوحي التشريعي بأن يظهر للمحدث فيلقي اليه حكماً شرعياً وذلك صون من الله لمقام المشرعين من أنبيائه ورسله ، ولا يخلو عن بعد .
* * *
فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ـ ٦١ . إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ـ ٦٢ . فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ ـ ٦٣ .
( بيان )
قوله تعالى : فمن حاجك فيه من بعد ما جائك من العلم ، الفاء للتفريع ، وهو تفريع المباهلة على التعليم الإلهي بالبيان البالغ في أمر عيسى بن مريم عليهما السلام مع ما أكده في ختمه بقوله : الحق من ربك فلا تكن من الممترين . والضمير في قوله : فيه راجع الى عيسى أو الى الحق المذكور في الآية السابقة .
وقد كان البيان السابق منه تعالى مع كونه
بياناً إلهياً لا يرتاب فيه مشتملاً على البرهان الساطع الذي يدل عليه قوله : إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم الآية ، فالعلم
الحاصل فيه علم من جهة البرهان أيضاً ، ولذلك كان يشمل أثره رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وغيره من كل سامع فلو فرض تردد من نفس السامع المحاج من جهة كون البيان وحياً إلهياً لم يجز الارتياب فيه من جهة كونه برهاناً يناله العقل السليم ، ولعله لذلك قيل : من