بعدما جائك من العلم ولم يقل : من بعد ما بيناه لهم .
وهيهنا نكتة اخرى وهي أن في تذكيره صلىاللهعليهوآلهوسلم بالعلم تطييباً لنفسه الشريفة أنه غالب بإذن الله ، وأن ربه ناصره وغير خاذله البتة .
قوله تعالى : فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ، المتكلم مع الغير في قوله : ندع ، غيره في قوله : أبنائنا ونسائنا وأنفسنا فإنه في الأول مجموع المتخاصمين من جانب الإسلام والنصرانية ، وفي الثاني وما يلحق به من جانب الإسلام ، ولذا كان الكلام في معنى قولنا : ندع الأبناء والنساء والأنفس فندعو نحن أبنائنا ونسائنا وأنفسنا وتدعون أنتم أبنائكم ونسائكم وأنفسكم ، ففي الكلام إيجاز لطيف .
والمباهلة والملاعنة وإن كانت بحسب الظاهر كالمحاجة بين رسول الله وبين رجال النصارى لكن عممت الدعوة للأبناء والنساء ليكون أدل على اطمينان الداعي بصدق دعواه وكونه على الحق لما أودعه الله سبحانه في قلب الانسان من محبتهم والشفقة عليهم فتراه يقيهم بنفسه ، ويركب الأهوال والمخاطرات دونهم ، وفي سبيل حمايتهم والغيرة عليهم والذبّ عنهم ، ولذلك بعينه قدم الأبناء على النساء لأن محبة الإنسان بالنسبة إليهم أشد وأدوم .
ومن هنا يظهر فساد ما ذكره بعض المفسرين : أن المراد بقوله : ندع أبنائنا وأبنائكم « الخ » ندع نحن أبنائكم ونسائكم وأنفسكم ، وتدعوا أنتم أبنائنا ونسائنا وأنفسنا . وذلك لإبطاله ما ذكرناه من وجه تشريك الأبناء والنساء في المباهلة .
وفي تفصيل التعداد دلالة اخرى على اعتماد الداعي وركونه الى الحق ، كأنه يقول : ليباهل الجمع الجمع فيجعل الجمعان لعنة الله على الكاذبين حتى يشمل اللعن والعذاب الأبناء والنساء والأنفس فينقطع بذلك دابر المعاندين ، وينبت أصل المبطلين .
وبذلك يظهر أن الكلام لا يتوقف في صدقه على كثرة الأبناء ولا على كثرة النساء ولا على كثرة الأنفس فإن المقصود الأخير أن يهلك أحد الطرفين بمن عنده من صغير وكبير ، وذكور وإناث ، وقد أطبق المفسرون واتفقت الرواية وأيده التاريخ : أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حضر للمباهلة ولم يحضر معه إلا علي وفاطمة والحسنان عليهم السلام فلم يحضر لها إلا نفسان وابنان وامرأة واحدة وقد امتثل أمر الله سبحانه فيها .
على أن المراد من لفظ الآية أمر ، والمصداق
الذي ينطبق عليه الحكم بحسب