قلت : لو كان إتيانه بمن أتى به على سبيل الانموذج لكان من اللازم أن يحضر على الأقل رجلين ونسوة وأبناءاً ثلاثة فليس الإتيان بمن أتى به إلا للانحصار وهو المصحح لصدق الامتثال بمعنى أنه لم يجد من يمتثل في الإتيان به أمره تعالى إلا من أتى به وهو رجل وامرأة وابنان .
وإنك لو تأملت القصة وجدت أن وفد نجران من النصارى إنما وفدوا على المدينة ليعارضوا رسول الله صلی الله عليه وآله ويحاجوه في أمر عيسى بن مريم فإن دعوى أنه عبد الله ورسوله إنما كانت قائمة به مستندة إلى الوحي الذي كان يدعيه لنفسه ، وأما الذين اتبعوه من المؤمنين فما كان للنصارى بهم شغل ، ولا لهم في لقائهم هوى كما يدل على ذلك قوله تعالى في صدر الآية : فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل ، وكذا قوله تعالى ـ قبل عدة آيات ـ : فإن حاجوك فقل اسلمت وجهي لله ومن اتبعن .
ومن هنا يظهر : أن إتيان رسول الله صلی الله عليه وآله بمن أتى به للمباهلة لم يكن إتياناً بنحو الانموذج إذ لا نصيب للمؤمنين من حيث مجرد إيمانهم في هذه المحاجة والمباهلة حتى يعرضوا للَّعن والعذاب المتردد بينهم وبين خصمهم ، وإنما أتى صلی الله عليه وآله بمن أتى به من جهة أنه صلی الله عليه وآله كان طرف المحاجة والمداعاة فكان من حقه أن يعرض نفسه للبلاء المترقب على تقدير الكذب فلولا أن الدعوى كانت قائمة بمن أتى به منهم كقيامها بنفسه الشريفة لم يكن لإتيانه بهم وجه فإتيانه بهم من جهة انحصار من هو قائم بدعواه من الأبناء والنساء والأنفس بهم لا من جهة الإتيان بالانموذج فقد صح أن الدعوى كانت قائمة بهم كما كانت قائمة به .
ثم إن النصارى إنما قصدوه صلی الله عليه وآله لا لمجرد أنه كان يرى أن عيسى ابن مريم عليهالسلام عبد الله ورسوله ويعتقد ذلك بل لأنه كان يدعيه ويدعوهم اليه فالدعوة هي السبب العمدة التي بعثهم على الوفود والمحاجة فحضوره وحضور من حضر معه للمباهلة لمكان الدعوى والدعوة معاً فقد كانوا شركائه في الدعوة الدينية كما شاركوه في الدعوى كما ذكرناه .
فان
قلت : هب إن إتيانه بهم لكونهم منه ، وانحصار
هذا الوصف بهم لكن الظاهر ـ كما تعطيه العادة الجارية ـ أن إحضار الإنسان أحبائه وأفلاذ كبده من النساء
والصبيان في المخاطر والمهاول دليل على وثوقه بالسلامة والعافية والوقاية فلا يدل إتيانه