صلی الله عليه وآله بهم على أزيد من ذلك ، وأما كونهم شركاء في الدعوة فهو بمعزل عن أن يدل عليه فعله .
قلت : نعم صدر الآية لا يدل على أزيد مما ذكر لكنك قد عرفت أن ذيلها أعني قوله : على الكاذبين ، يدل على تحقق كاذبين في أحد طرفي المحاجة والمباهلة البتة ، ولا يتم ذلك إلا بأن يكون في كل واحد من الطرفين جماعة صاحبة دعوى إما صادقة أو كاذبة فالذين أتى بهم النبي صلی الله عليه وآله مشاركون معه في الدعوى وفي الدعوة كما تقدم فقد ثبت أن الحاضرين كانوا بأجمعهم صاحبي دعوى ودعوة معه صلی الله عليه وآله ، وشركاء في ذلك .
فان قلت : لازم ما ذكرته كونهم شركاء في النبوة .
قلت : كلا فقد تبين (١) فيما أسلفناه من مباحث النبوة أن الدعوة والتبليغ ليسا بعين النبوة والبعثة وإن كانا من شؤونها ولوازمها ، ومن المناصب والمقامات الإلهية التي يتقلدها ، وكذا تبين مما تقدم (٢) من مبحث الإمامة أيضاً أنهما ليسا بعين الإمامة وإن كانا من لوازمها بوجه .
قوله تعالى : إن هذا القصص الحق وما من إله إلا الله ؛ هذا إشارة إلى ما تقدم من قصص عيسى عليهالسلام ؛ والكلام مشتمل على قصر القلب أي ما قصصناه هو الحق دون ما تدعيه النصارى من أمر عيسى .
وفي الإتيان بإن واللام وضمير الفصل تأكيد بالغ لتطييب نفس رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وتشجيعه في أمر المباهلة بإيقاظ صفة يقينه وبصيرته ووثوقه بالوحي الذي أنزله الله سبحانه اليه ، ويتعقبه التأكيد الثاني بإيراد الحقيقة بلازمها وهو قوله : وما من إله إلا الله فإن هذه الجملة لازمة كون القصص المذكور حقاً .
قوله تعالى : وإن الله لهو العزيز الحكيم معطوف على أول الآية ؛ وهو بما فيه من التأكيد البالغ تطييب آخر وتشجيع لنفس النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن الله لا يعجز عن نصرة
__________________
(١) في تفسير آية ٢١٣ من سورة البقرة من المجلد الثاني .
(٢) في تفسير آية ١٢٤ من سورة البقرة من المجلد الأول .