عن معان خارجية ( كما في الإخبار ) أو تعلقها بأفعال أو امور خارجية ( كما في الانشاء ) لها تأويل ، فالوصف وصف بحال متعلق الشيء لا بحال نفس الشيء .
وثانياً : أن التأويل وإن كان هو المرجع الذي يرجع ويؤول إليه الشيء لكنه رجوع خاص لا كل رجوع ، فإن المرئوس يرجع إلى رئيسه وليس بتأويل له ، والعدد يرجع إلى الواحد وليس بتأويل له ، فلا محالة هو مرجع بنحو خاص لا مطلقاً . يدل على ذلك قوله تعالى في قصة موسى والخضر عليهما السلام : « سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا » الكهف ـ ٧٨ ، وقوله تعالى : « ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا » الكهف ـ ٨٢ ، والذي نبأه لموسى صور وعناوين لما فعله عليهالسلام في موارد ثلث كان موسى عليهالسلام قد غفل عن تلك الصور والعناوين ، وتلقى بدلها صوراً وعناوين اخرى أوجبت اعتراضه بها عليه ، فالموارد الثلث : هي قوله تعالى : « حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا » الكهف ـ ٧١ ، وقوله تعالى : « حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ » الكهف ـ ٧٤ وقوله تعالى : « حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ » الكهف ـ ٧٧ .
والذي تلقاه موسى عليهالسلام من صور هذه القضايا وعناوينها قوله : « أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا » الكهف ـ ٧١ ، وقوله : « أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا » الكهف ـ ٧٤ ، وقوله : « لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا » الكهف ـ ٧٧ .
والذي نبأ به الخضر من التأويل قوله : « أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ، وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ ، وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ » الكهف ـ ٨٢ ، ثم أجاب عن جميع ما اعترض عليه موسى عليهالسلام جملة بقوله : « وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي » الكهف ـ ٨٢ ، فالذي اريد من التأويل في هذه الآيات كما ترى هو رجوع الشيء إلى صورته وعنوانه نظير رجوع الضرب إلى التأديب ورجوع الفصد إلى العلاج ، لا نظير رجوع قولنا : جاء زيد الى مجيء زيد في الخارج .