وفي قوله تعالى : وأنتم تشهدون ـ والشهادة هو الحضور والعلم عن حس ـ دلالة على أن المراد بكفرهم بآيات الله إنكارهم كون النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هو النبي الموعود الذي بشر به التوراة والإنجيل مع مشاهدتهم انطباق الآيات والعلائم المذكورة فيهما عليه .
ومن هنا يظهر فساد ما ذكره بعضهم : أن لفظ الآيات عام شامل لجميع الآيات ولا وجه لتخصيصه بآيات النبوة بل المراد كفرهم بجميع الآيات الحقة والوجه في فساده ظاهر .
قوله تعالى : يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل إلى آخر الآية ؛ اللبس بفتح اللام إلقاء الشبهة والتمويه أي تظهرون الحق في صورة الباطل .
وفي قوله : وأنتم تعلمون دلالة أو تلويح على أن المراد باللبس والكتمان ما هو في المعارف الدينية غير ما يشاهد من الآيات كالآيات التي حرفوها أو كتموها أو فسروها بغير ما يراد منها .
وهاتان الآيتان أعني قوله : يا أهل الكتاب لم تكفرون ـ إلى قوله : وأنتم تعلمون ـ تتمة لقوله تعالى : ودت طائفة الآية ، وعليهذا فعتاب الجميع بفعال البعض بنسبته إليهم من جهة اتحادهم في العنصر والنسل والصفة ، ورضاء البعض بفعال البعض وهو كثير الورود في القرآن .
قوله تعالى : وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أُنزل إلى آخر الآية ؛ المراد بوجه النهار بقرينة مقابلته بآخره هو أوله فإن وجه الشيء ما يبدو ويظهر به لغيره وهو في النهار أوله ، وسياق قولهم يكشف عن نزول وحي على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في وجه النهار يوافق ما عليه أهل الكتاب وآخر في آخره يخالف ما هم عليه فإنما هو الذي دعاهم إلى أن يقولوا هذا القول .
وعليهذا فقوله : بالذي أُنزل على الذين آمنوا أريد به شيء خاص من وحي القرآن يوافق ما عند أهل الكتاب ، وقوله : وجه النهار منصوب على الظرفية ومتعلق بقوله : أُنزل ، لا بقوله : آمنوا ( صيغة الأمر ) لأنه أقرب ، وقوله : واكفروا آخره في معنى واكفروا بما أُنزل في آخره فيكون من وضع الظرف موضع المظروف بالمجاز العقلي نظير قوله تعالى : « بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ » سبأ ـ ٣٣ .