الفضل وهو العطية غير الواجبة من شعب الرحمة ، قال تعالى : « وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ » الأعراف ـ ١٥٦ وقال : « وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا » النور ـ ٢١ ، وقال تعالى : « قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ » أسرى ـ ١٠٠ .
قوله تعالى : ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ـ إلى قوله : من سبيل ـ إشارة إلى اختلافهم في حفظ الأمانات والعهود اختلافاً فاحشاً آخذاً بطرفي التضاد وأن هذا وإن كان في نفسه رذيلة قومية ضارة إلا أنه ناش بينهم فاش في جماعتهم من رذيلة اخرى اعتقادية وهي ما يشتمل عليه قولهم : ليس علينا في الاميين سبيل ، فانهم كانوا يسمون أنفسهم بأهل الكتاب ، وغيرهم بالاميين فقولهم : ليس علينا في الاميين سبيل معناه نفي أن يكون لغير إسرائيلي على إسرائيلي سبيل ، وقد أسندوا الكلمة إلى الدين ، والدليل عليه قوله تعالى : ويقولون علی الله الكذب وهم يعلمون بلى « الخ » .
فقد كانوا يزعمون ـ كما أنهم اليوم على زعمهم ـ أنهم هم المخصوصون بالكرامة الإلهية لا تعدوهم إلى غيرهم بما أن الله سبحانه جعل فيهم نبوة وكتاباً وملكاً فلهم السيادة والتقدم على غيرهم ، واستنتجوا من ذلك أن الحقوق المشرعة عندهم اللازمة المراعاة عليهم كحرمة أخذ الربا وأكل مال الغير : وهضم حقوق الناس إنما هي بينهم معاشر أهل الكتاب فالمحرم هو أكل مال الإسرائيلي على مثله ، والمحظور هضم حقوق يهودي على أهل ملته ، وبالجملة إنما السبيل على أهل الكتاب لأهل الكتاب ، وأما غير أهل الكتاب فلا سبيل له على أهل الكتاب فلهم أن يحكموا في غيرهم ما شائوا ويفعلوا في من دونهم ما أرادوا ، وهذا يؤدي الى معاملتهم مع غيرهم معاملة الحيوان العجم كائناً من كان .
وهذا وإن لم يوجد فيما عندهم من الكتب المنسوبة
إلى الوحي كالتوراة وغيرها لكنه أمر أخذوه من أفواه أحبارهم فقلدوهم فيه ثم لما كان الدين الموسوي لا يعدو بني إسرائيل إلى غيرهم جعلوه جنسية بينهم ، وتولد من ذلك أن هذه الكرامة والسؤدد أمر جنسي خص بذلك بنوا إسرائيل خاصة فالانتساب الإسرائيلي هو مادة الشرف وعنصر السؤدد والمنتسب إلى إسرائيل له التقدم المطلق على غيره ؛ وهذه الروح الباغية
إذا دبت في قالب قوم بعثتهم إلى إفساد الأرض وإماتة روح الانسانية وآثارها