إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ الآية » فإن أمثال قوله تعالى : « لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ » ق ـ ٢٢ ، تدل على أن مشاهدة وقوع ما أخبر به الكتاب وأنبأ به الأنبياء يوم القيامة من غير سنخ المشاهدة الحسية التي نعهدها في الدنيا كما أن نفس وقوعها والنظام الحاكم فيها غير ما نألفه في نشأتنا هذه ، وسيجيء مزيد بيان له فرجوع أخبار الكتاب والنبوة إلى مضامينها الظاهرة يوم القيامة ليس من قبيل رجوع الإخبار عن الأمور المستقبلة إلى تحقق مضامينها في المستقبل .
فقد تبين بما مر : أولا : أن كون الآية ذات تأويل ترجع إليه غير كونها متشابهة ترجع إلى آية محكمة .
وثانياً : أن التأويل لا يختص بالآيات المتشابهة بل لجميع القرآن تأويل فللآية المحكمة تأويل كما أن للمتشابهة تأويلا .
وثالثاً : أن التأويل ليس من المفاهيم التي هي مداليل للألفاظ بل هو من الامور الخارجية العينية ، واتصاف الآيات بكونها ذات تأويل من قبيل الوصف بحال المتعلق ، وأما إطلاق التأويل وإرادة المعنى المخالف لظاهر اللفظ ، فاستعمال مولد نشأ بعد نزول القرآن لا دليل أصلاً على كونه هو المراد من قوله تعالى : وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله الآية ، كما لا دليل على أكثر المعاني المذكورة للتأويل مما سننقله عن قريب .
قوله تعالى : وما يعلم تأويله إلا الله ، ظاهر الكلام رجوع الضمير إلى ما تشابه ، لقربه كما هو الظاهر أيضاً في قوله : وابتغاء تأويله ، وقد عرفت أن ذلك لا يستلزم كون التأويل مقصوراً على الآيات المتشابهة . ومن الممكن أيضاً رجوع الضمير إلى الكتاب كالضمير في قوله : ما تشابه منه .
وظاهر الحصر كون العلم بالتأويل مقصوراً عليه سبحانه ، وأما قوله : والراسخون في العلم ، فظاهر الكلام أن الواو للاستيناف بمعنى كونه طرفاً للترديد الذي يدل عليه قوله في صدر الآية : فأما الذين في قلوبهم زيغ ، والمعنى : أن الناس في الأخذ بالكتاب قسمان : فمنهم من يتبع ما تشابه منه ومنهم من يقول إذا تشابه عليه شيء منه : آمنا به كل من عند ربنا ، وإنما اختلفا لاختلافهم من جهة زيغ القلب ورسوخ العلم .