السموات والأرض إذا قضى « إلخ » برهان ثالث .
ويمكن أن يجعل قوله : بديع السموات والأرض من قبيل إضافة الصفة إلى فاعلها ، ويستفاد منه أن خلقه تعالى على غير مثال سابق فلا يمكن منه الإيلاد لأنه خلق على مثال نفسه لأن مفروضهم العينية فيكون هذه الفقرة برهاناً آخر .
ولو فرض قولهم : اتخذ الله ولداً كلاماً ملقى لا على وجه الحقيقة بل على وجه التوسع في معنى الابن والولد بأن يراد به انفصال شيء عن شيء يماثله في الحقيقة من غير تجز مادي أو تدريج زماني ( وهذا هو الذي يرومه النصارى بقولهم : المسيح ابن الله بعد تنقيحه ) ليتخلص بذلك عن إشكال الجسمية والمادية والتدريج بقي إشكال المماثلة .
توضيحه أن إثبات الابن والأب إثبات للعدد بالضرورة ، وهو إثبات للكثرة الحقيقية وإن فرضت الوحدة النوعية بين الأب والابن كالأب والابن من الإنسان هما واحد في الحقيقة الإنسانية ، وكثير من حيث إنهما فردان من الإنسان ، وعلى هذا فلو فرض وحدة الاله كان كل ما سواه ومن جملتها الابن غيراً له مملوكاً مفتقراً اليه فلا يكون الابن المفروض إلهاً مثله ، ولو فرض ابن مماثل له غير مفتقر اليه بل مستقل مثله بطل التوحيد في الاله عز اسمه .
وهذا البيان هو المدلول عليه بقوله تعالى : « وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ، وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا » النساء ـ ١٧١ .
وأما الطريق الثاني وهو بيان أن شخص عيسى بن مريم عليهالسلام ليس ابناً لله مشاركاً له في الحقيقة الالهية فلما كان فيه من البشرية ولوازمها .
وتوضيحه أن المسيح عليهالسلام حملت به مريم ، وربته جنيناً في رحمها ، ثم وضعته وضع المرأة ولدها ، ثم ربته كما يتربى الولد في حضانة امه ، ثم أخذ في النشوء وقطع مراحل الحيوة والارتقاء في مدارج العمر من الصبا والشباب والكهولة ، وفي جميع ذلك كان حاله حال إنسان طبيعي في حيوته ؛ يعرضه من العوارض والحالات ما يعرض الانسان : من جوع وشبع ، وسرور ومسائة ، ولذة وألم ، وأكل وشرب ، ونوم ويقظة ، وتعب وراحة ، وغير ذلك .