والقدرة المطلقة من غير عجز ، والعلم المطلق من غير طرو جهل ، والحيوة المطلقة من غير إمكان موت وفناء ، وإذا كان كذلك لم يجز عليه تغير حال في وجوده أو علمه أو قدرته أو حيوته .
وإذا كان كذلك لم يكن جسماً ولا جسمانياً لأن الأجسام والجسمانيات محاط التغيرات والتحولات ، ومحال الإمكانات والافتقارات والاحتياجات ، وإذا لم يكن جسماً ولا جسمانياً لم يطرء عليه الحالات المختلفة والطواري المتنوعة : من غفلة وسهو وغلط وندم وتحير وتأثر وانفعال وهوان وصغر ومغلوبية ونحوها ، وقد استوفينا البحث البرهاني المتعلق بهذه المعاني في هذا الكتاب في موارد يناسبها ؛ يجدها المراجع إذا راجع .
وعلى الناقد المتبصر والمتأمل المتدبر أن يقايس بين القولين : ما يقول به القرآن الكريم في إله العالم فيثبت له كل صفة كمال ، وينزهه عن كل صفة نقص ، وبالاخرة يعده أكبر وأعظم من أن يحكم فيه أفهامنا بما صحبته من عالم الحد والتقدير ؛ وبين ما يثبته العهدان في الباري تعالى بما لا يوجد إلا في أساطير يونان ، وخرافات هند القديم والصين ، وامور كان الإنسان الأولي يتوهمها فيتأثر مما قدمه إليه وهمه .
وسادساً : قولهم : إن الله أرسل ابنه المسيح وأمره أن يحل رحماً من الأرحام ليتولد إنساناً وهو إله ، وهذا هو القول غير المعقول الذي انتهض لبيان بطلانه القرآن الكريم على ما أوضحناه في البيان السابق فلا نعيد .
ومن المعلوم أن العقل أيضاً لا يساعد عليه فإنك إذا تأملت فيما يجب من الصفات أن يقال باتصاف الواجب تعالى بها كالثبات السرمدي ، وعدم التغير ، وعدم تحدد الوجود ، والإحاطة بكل شيء ، والتنزه عن الزمان والمكان وما يتبعهما ، وتأملت في تكون إنسان من حين كونه نطفة فجنيناً في رحم سواء اعتبرت في معناه تفسير الملكانيين لهذه الكلمة أو تفسير النسطوريين ، أو تفسير اليعقوبيين أو غيرهم إذ لا نسبة بين ما له الجسمية وجميع أوصاف الجسمية وآثارها وبين ما ليس فيه جسمية ولا شيء مما يتصف به من زمان أو مكان أو حركة أو غير ذلك فكيف يمكن تعقل الاتحاد بينهما بوجه .