وعدم انطباق القول المذكور على القضايا الضرورية العقلية هو السر فيما يذكره بولس وغيره من رؤسائهم القديسيين من تقبيح الفلسفة والإزراء بالأحكام العقلية ، يقول بولس : « قد كتب لأهلكن حكمة الحكماء ولأخالفن فهم الفقهاء أين الحكيم أين الكاتب أين مستفحص هذا الدهر بتعمق ؟ أو ليس قد حمق الله حكمة هذا العالم ـ إلى أن قال ـ : وإذ اليهود يسألون آية واليونانيون يطلبون حكمة نكرز (١) نحن بالمسيح مصلوب » رسالة بولس ـ الإصحاح الأول ، ونظائر هذه الكلمات كثيرة في كلامه وكلام غيره وليست إلا لسياسة النشر والإذاعة والتبليغ والعظة ، يوقن بذلك من أرعى نظره في هذه الرسائل والكتب وتعمق في طريق تكليمها الناس وإلقاء بياناتها إليهم .
ومن ما مر يظهر ما في قولهم : إنه تعالى معصوم من الذنوب والخطايا فإن الإله الذي صوروه غير مصون عن الخطأ أصلا بمعنى الغلط في الإدراك والغلط في الفعل من غير أن ينتهي إلى مخالفة من يجب موافقته .
وأما الذنب والمعصية بمعنى التمرد فيما يجب فيه الطاعة والانقياد فهو غير متصور في حقه تعالى فالعصمة أيضاً غير متصورة في حقه سبحانه .
وسابعاً : قولهم : إنه بعد أن صار إنساناً عاشر الناس معاشرة الإنسان للإنسان حق تسخر لأعدائه فيه تجويز اتصاف الواجب بحقيقة من حقائق الممكنات حتى يكون إلهاً وإنساناً في عرض واحد ، فكان من الجائز أن يصير الواجب شيئاً من مخلوقاته أي يتصف بحقيقه كل نوع من هذه الأنواع الخارجية ، فتارة يكون إنساناً من الأناسي ، وتارة فرساً ، وتارة طائراً ، وتارة حشرة ، وتارة غير ذلك ، وتارة يكون أزيد من نوع واحد من الأنواع كالإنسان والفرس والحشرة معاً .
وهكذا يجوز أن يصدر عنه أي فعل فرض من أفعال الموجودات لجواز أن يصير هو ذلك النوع فيفعل فعله المختص به ، وكذا يجوز أن يصدر عنه أفعال متقابلة معاً كالعدل والظلم ، وأن يتصف بصفات متقابلة كالعلم والجهل ، والقدرة والعجز ، والحياة والموت والغنى والفقر ، تعالى الملك الحق ، وهذا غير المحذور المتقدم في الأمر السادس .
__________________
(١) كرز كرزاً ، وعظ ونادى .