لغواً لا أثر له في سعادة الناس كما أنه من غير رفع المحذور كان لا أثر له ، فهذا حال تشريع الدين قبل وصول أو ان الفداء وتحققه !
وأما في زمان الفداء وبعده فالأمر في صيرورة التشريع والدعوة الدينية والهداية الإلهية لغواً أوضح وأبين ، فما هي الفائدة في الإيمان بالمعارف الحقة والإتيان بالأعمال الصالحة بعد ارتفاع محذور الخطيئة ، واستيجاب نزول المغفرة والرحمة على الناس مؤمنهم وكافرهم ، برهم وفاجرهم ، من غير فرق بين أتقى الأتقياء وأشقى الأشقياء في أنهما يشتركان في الهلاك المؤبد مع بقاء الخطيئة ، وفي الرحمة اللازمة مع ارتفاعها بالفداء والمفروض أنه لا ينفع أي عمل صالح في رفعها لولا الفداء .
فان قيل : إن الفداء إنما ينفع في حق من آمن بالمسيح فللدعوة ثمرة كما يصرح به المسيح في بشارته (١) .
قيل : مضافاً إلى أنه مناقض لما تقدمت الاشارة اليه من كلام يوحنا في رسالته ، إنه هدم لجميع الاصول الماضية إذ لا يبقى من الناس ـ آدم فمن دونه ـ في حظيرة النجاة والخلاص إلا شرذمة منهم ، وهم المؤمنون بالمسيح والروح بل واحدة من طوائفهم المختلفة في الاصول وأما غيرهم فهم باقون على الهلاك الدائم ، فليت شعري إلى ما يؤل أمر الأنبياء المكرمين قبل المسيح وأمر المؤمنين من اممهم ؟ وبماذا يتصف الدعوة التي جاؤوا بها من كتاب وحكم ، أبالصدق أم بالكذب ؟ والأناجيل تصدق التوراة ودعوتها ، وليس فيها دعوة إلى قصة الروح والفداء ! وهل هي تصدق ما هو صادق أو تصدق الكاذب ؟
فان قيل : إن الكتب السماوية السابقة فيما نعلم تبشر بالمسيح ، وهذه منهم دعوة إجمالية إلى المسيح وإن لم تفصل القول في كيفية نزوله وفدائه فلم يزل الله يبشر أنبيائه بظهور المسيح ليؤمنوا به ويطيبوا نفساً بما سيصنعه .
قيل : اولا : إن القول به قبل موسى تخرص على الغيب ، على أن البشارة لو
__________________
(١) « أقول لكم إن كل من اعترف لي قدام الناس فابن الانسان يعترف به أيضاً قدام ملائكة الله ، ومن أنكرني قدام الناس أنكره أيضاً قدام ملائكة الله ، وكل من يقول كلمة في ابن الانسان يغفر له ومن يجدف روح القدس لا يغفر له » إنجيل لوقا ـ الاصحاح الثاني عشر .