فهذا ملخص ما تنتهي اليه الدعوة المسيحية على انبساطها على شرق الأرض وغربها ، وهو لا يزيد على خبر واحد مجهول الاسم والرسم ، مبهم العين والوصف .
وهذا الوهن العجيب في مبدء القصة هو الذي أوجب لبعض أحرار الباحثين من اروبا أن أدعى أن المسيح عيسى بن مريم شخص خيالي صوره بعض النزعات الدينية على حكومات الوقت أولها ، وتأيد ذلك بموضوع خرافي آخر يشبهه كل الشبه في جميع شئون القصة ، وهو موضوع « كرشنا » الذي تدعي وثنية الهند القديمة أنه ابن الله نزل عن لاهوته ، وفدى الناس بنفسه صلباً ليخلصهم من الأوزار والخطايا كما يدعى في عيسى المسيح حذو النعل بالنعل ( كما سيجيء ذكره ) .
وأوجب لآخرين من منتقدي الباحثين أن يذهبوا إلى أن هناك شخصين مسميين بالمسيح : المسيح غير المصلوب ، والمسيح المصلوب ، وبينهما من الزمان ما يزيد على خمسة قرون .
وأن التاريخ الميلادي الذي سنتنا هذه سنة الف وتسعمأة وستة وخمسين منه لا ينطبق على واحد منهما بل المسيح الأول غير المصلوب يتقدم عليه بما يزيد على مأتين وخمسين سنة وقد عاش نحواً من ستين سنة ، والمسيح الثاني المصلوب يتأخر عنه بما يزيد على مأتين وتسعين سنة ، وقد عاش نحواً من ثلث وثلثين سنة (١) .
على أن عدم انطباق التاريخ الميلادي على ميلاد المسيح في الجملة مما لم يسع للنصارى إنكاره (٢) وهو سكتة تاريخية .
على أن هيهنا اموراً مريبة موهمة اخرى فقد ذكروا أنه كتب في القرنين الأولين من الميلاد أناجيل كثيرة اخرى ربما أنهوها إلى نيف ومأة من الأناجيل ، والأناجيل الأربعة منها ثم حرمت الكنيسة جميع تلك الأناجيل إلا الأناجيل الأربعة التي عرفت
__________________
(١) وقد فصل القول في ذلك الزعيم الفاضل « بهروز » في كتاب ألفه جديداً في البشارات النبوية ، وأرجو أن أوفق لايداع شذرة منه في تفسير آخر سورة النساء من هذا الكتاب ، والقدر المتيقن ( الذي يهمنا منه ) اختلال التاريخ المسيحي .
(٢) راجع مادة مسيح من قاموس الكتاب المقدس .