بين ذلك كثير من علماء الغرب : منهم « بيل » في كتابه ، و « هوك » في رحلته ، و « موالر » في كتابه تاريخ الآداب السنسكريتية ، وغيرهم (١) .
فهذه نبذة أو أُنموذجة من عقيدة تلبس اللاهوت بالناسوت ، وحديث الصلب والفداء في الديانات القديمة التي كانت الامم متمسكين بها منكبين عليها يوم شرعت الديانة النصرانية تنبسط على الأرض ، وأخذت الدعوة المسيحية تأخذ بمجامع القلوب في المناطق التي جال الدعاة المسيحيون فيها ، فهل هذا إلا أن الدعاة المسيحيين أخذوا أُصول المسيحية وأفرغوها في قالب الوثنية واستمالوا بذلك قلوب الناس في تقبل دعوتهم وهضم تعليمهم ؟
ويؤيد ذلك ما ترى في كلمات بولس وغيره من الطعن في حكمة الحكماء وفلسفتهم والإزراء بطرق الاستدلالات العقلية ، وأن الإله الرب يرجح بلاهة الأبله على عقل العاقل .
وليس ذلك إلا لأنهم قابلوا بتعليمهم مكاتب التعقل والاستدلال فرده أهله بأنه لا طريق إلى قبوله بل إلى تعقله الصحيح من جهة الاستدلال فوضعوا الأساس على المكاشفة والامتلاء بالروح المقدس فشاكلوا بذلك ما يصر به جهلة المتصوفة أن طريقتهم طور وراء طور العقل .
ثم إن الدعاة منهم ترهبوا وجالوا في البلاد ( على ما يحكيه كتاب أعمال الرسل والتواريخ ) وبسطوا الدعوة المسيحية واستقبلتهم في ذلك العامة في شتات البلاد ، كان من سر موفقيتهم وخاصة في إمبراطورية الروم هي الضغطة الروحية التي عمت البلاد من فشوّ الظلم والتعدي ، وشمول أحكام الاسترقاق والاستعباد ، والبون البعيد في حيوة الطبقة الحاكمة والمحكومة والآمرة والمأمورة ، والفصل الشاسع بين عيشة الأغنياء وأهل الاتراف والفقراء والمساكين والأرقاء .
وقد كانت الدعاة تدعو إلى المؤاخاة والمحابة والتساوي والمعاشرة الجميلة بين الناس ، ورفض الدنيا وعيشتها الكدرة الفانية ، والإقبال على الحيوة الصافية السعيدة التي في ملكوت السماء ، ولهذا بعينه ما كان يعني بحالهم الطبقة الحاكمة من الملوك
__________________
(١) يجد القاریء هذه المنقولات في تفسير المنار ـ الجزء السادس في تفسير النساء وفي دوائر المعارف ، وفي كتاب العقائد الوثنية في الديانة النصرانية وغيرها .