والقياصرة كل العناية ، ولا يقصدونهم بالأذى والسياسة والطرد .
فلم يزالوا يزيدون عدداً من غير تظاهر وتنافس وينمون قوة وشدة حتى حصل لهم جم غفير في إمبراطورية الروم وإفريقية والهند وغيرها من البلاد ، ولم يزالوا كلما بنوا كنيسة وفتحوا بابها على وجوه الناس هدموا بذلك واحداً من بيوت الأوثان وأغلقوا بابه .
وكانوا لا يعتنون بمزاحمة رؤساء الوثنية في هدم أساسهم ، ولا بملوك الوقت وحكامه في التعالي عن خضوعهم وفي مخالفة أحكامهم ودساتيرهم ، وربما كان ذلك يؤديهم إلى الهلاك والقتل والحبس والعذاب فكان لا تزال تقتل طائفة وتسجن اخرى وتشرد ثالثة .
وكان الأمر على هذه الصفة إلى أوان ملك القيصر « كنستانتين » فآمن بالملة المسيحية وأعلن بها فأخذ التنصر بالرسمية وبنيت الكنائس في الروم وما يتبع إمبراطوريته من الممالك ، وذلك في النصف الأخير من القرن الرابع الميلادي .
تمركزت النصرانية يومئذ في كنيسة الروم وأخذت تبعث القسيسين إلى أكناف الأرض من البلاد التابعة يبنون الكنائس والديرات ومدارس يدرسون بها التعليم الإنجيلي .
والذي يجب إلفات النظر إليه أنهم وضعوا البحث على اصول مسلمة إنجيلية فأخذوا التعاليم الإنجيلية كمسألة الأب والأبن والروح ، ومسألة الصلب والفداء وغير ذلك اصولاً مسلمة وبنوا البحث والتنقير عليها .
وهذا أول ما ورد على أبحاثهم الدينية من الوهن والوهاء فإن استحكام البناء المبني وإن بلغ ما بلغ واستقامته لا يغني عن وهن الأساس المبني عليه شيئاً ، وما بنوا عليه من مسألة تثليث الوحدة والصلب والفداء أمر غير معقول .
وقد اعترف عدة من باحثيهم في التثليث بأنه أمر غير معقول لكنهم اعتذروا عنه بأنه من المسائل الدينية التي يجب أن تقبل تعبداً فكم في الأديان من مسألة تعبدية تحيلها العقول .
وهو من الظنون الفاسدة المتفرعة على أصلهم
الفاسد ، وكيف يتصور وقوع مسألة مستحيلة في دين حق ؟ ونحن إنما نقبل الدين ونميز كونه دين حق بالعقل وكيف يمكن