أوردتها اليهود في النسخ ، وتقريرها : أن اليهود كأنها قالت : إذا كنت يا محمد على ملة إبراهيم والنبيين بعده ـ كما تدعي ـ فكيف تستحل ما كان محرماً عليه وعليهم كلحم الإبل ؟ أما وقد استبحت ما كان محرماً عليهم فلا ينبغي لك أن تدعي أنك مصدق لهم ، وموافق في الدين ، ولا أن تخص إبراهيم بالذكر فتقول : إني أولى به .
ومحصل الجواب : أن كل الطعام كان حلاً لعامة الناس ومنهم بنوا إسرائيل لكن بني إسرائيل حرموا أشياء على أنفسهم بما ارتكبوا من المعاصي ، والسيئات كما قال تعالى : « فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ الآية » النساء ـ ١٦٠ ، فالمراد بإسرائيل شعب إسرائيل كما هو مستعمل عندهم ، لا يعقوب وحده ، ومعنى تحريمهم ذلك على أنفسهم : أنهم ارتكبوا الظلم واجترحوا السيئات فكانت سبباً للتحريم ، وقوله : من قبل أن تنزل التوراة متعلق بقوله : حرم إسرائيل ، ولو كان المراد بقوله : إسرائيل هو يعقوب نفسه لكان قوله : من قبل أن تنزل التوراة لغواً زائداً من الكلام لبداهة أن يعقوب كان قبل التوراة زماناً فلا وجه لذكره .
هذا محصل ما ذكره وذكر بعض آخر نظير ما ذكره إلا أنه قال : إن المراد من تحريم بني إسرائيل على أنفسهم تحريمهم ذلك تشريعاً من عند أنفسهم من غير أن يستند إلى وحي من الله سبحانه إلى بعض أنبيائهم كما كانت عرب الجاهلية تفعل ذلك على ما قصه الله تعالى في كتابه .
وقد ارتكبا جميعاً من التكلف ما لا يرتضيه ذو خبرة فأخرجا الكلام من مجراه ، وعمدة ما حملهما على ذلك حملهما قوله تعالى : من قبل أن تنزل التوراة على أنه متعلق بقوله : حرم إسرائيل ، مع كونه متعلقاً بقوله : كان حلا ، في صدر الكلام وقوله إلا ما حرم ، استثناء معترض .
ومن ذلك يظهر أن لا حاجة إلى أخذ إسرائيل بمعنى بني إسرائيل كما توهما مستندين إلى عدم استقامة المعنى دونه .
على أن إطلاق إسرائيل وإرادة بني إسرائيل
وإن كان جائزاً على حد قولهم : بكر وتغلب ونزار وعدنان يريدون بني بكر وبني تغلب وبني نزار وبني عدنان لكنه في بني إسرائيل من حيث الوقوع استعمال غير معهود عند العرب في عهد النزول ، ولا