الصفات لا تتصور لنا ، إذ كان لا يحصل في نفوسنا صورة ما لم نحسه ، أو لم يكن من جنس ما لم نحسه .
والمتشابه من جهة المعنى واللفظ جميعاً خمسة أضرب : الأول : من جهة الكمية كالعموم والخصوص نحو اقتلوا المشركين ، والثاني : من جهة الكيفية كالوجوب والندب نحو فانكحوا ما طاب لكم ، والثالث : من جهة الزمان كالناسخ والمنسوخ نحو اتقوا الله حق تقاته ، والرابع : من جهة المكان أو الامور التي نزلت فيها نحو وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ، وقوله : انما النسيء زيادة في الكفر ، فإن من لا يعرف عادتهم في الجاهلية يتعذر عليه معرفة تفسير هذه الآية ، والخامس : من جهة الشروط التي بها يصح الفعل أو يفسد كشروط الصلوة والنكاح .
وهذه الجملة إذا تصورت علم : أن كل ما ذكره المفسرون في تفسير المتشابه لا يخرج عن هذه التقاسيم نحو قول من قال المتشابه ألم ، وقول قتادة : المحكم الناسخ والمتشابه المنسوخ ، وقول الأصم : المحكم ما اجمع على تأويله والمتشابه ما اختلف فيه .
ثم جميع المتشابه على ثلاثة أضرب : ضرب لا سبيل للوقوف عليه كوقت الساعة وخروج دابة الأرض وكيفية الدابة ونحو ذلك . وضرب للإنسان سبيل إلى معرفته كالألفاظ الغريبة والأحكام الغلقة وضرب متردد بين الأمرين ، يجوز أن يختص بمعرفة حقيقته بعض الراسخين في العلم ويخفى على من دونهم ، وهو الضرب المشار اليه بقوله عليهالسلام في علي رضي الله عنه : اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ، وقوله لابن عباس مثل ذلك ، انتهى كلامه وهو أعم الأقوال في معنى المتشابه جمع فيها بين عدة من الأقوال المتقدمة .
وفيه : أولا : أن تعميمه المتشابه لموارد الشبهات اللفظية كغرابة اللفظ وإغلاق التركيب والعموم والخصوص ونحوها لا يساعد عليه ظاهر الآية ، فإن الآية جعلت المحكمات مرجعاً يرجع إليه المتشابهات ، ومن المعلوم أن غرابة اللفظ وأمثالها لا تنحل عقدتها من جهة دلالة المحكمات ، بل لها مرجع آخر ترجع اليه وتتضح به .
وأيضاً : الآية تصف المتشابهات بأنها من
شأنها أن تتبع لابتغاء الفتنة ، ومن المعلوم : أن اتباع العام من غير رجوع إلى مخصصه ، والمطلق من غير رجوع الى مقيده