وأخذ اللفظ الغريب مع الإعراض عما يفسره في اللغة مخالف لطريقة أهل اللسان لا تجوزه قريحتهم فلا يكون بالطبع موجباً لإثارة الفتنة لعدم مساعدة اللسان عليه .
وثانياً : أن تقسيمه المتشابه بما يمكن فهمه لعامة الناس وما لا يمكن فهمه لأحد وما يمكن فهمه لبعض دون بعض ظاهر في أنه يرى اختصاص التأويل بالمتشابه ، وقد عرفت خلافه .
هذا هو المعروف من أقوالهم في معنى المحكم والمتشابه وتمييز مواردهما ، وقد عرفت ما فيها ، وعرفت أيضاً أن الذي يظهر من الآية على ظهورها وسطوع نورها خلاف ذلك كله ، وأن الذي تعطيه الآية في معنى المتشابه : أن تكون الآية مع حفظ كونها آية دالة على معنى مريب مردد لا من جهة اللفظ بحيث يعالجه الطرق المألوفة عند أهل اللسان كإرجاع العام والمطلق إلى المخصص والمقيد ونحو ذلك بل من جهة كون معناها غير ملائم لمعنى آية اخرى محكمة لا ريب فيه تبين حال المتشابهة .
ومن المعلوم أن معنى آية من الآيات لا يكون على هذا الوصف إلا مع كون ما يتبع من المعنى مألوفاً مأنوساً عند الأفهام العامية تسرع الأذهان الساذجة إلى تصديقه أو يكون ما يرام من تأويل الآية أقرب إلى قبول هذه الأفهام الضعيفة الإدراك والتعقل .
وأنت إذا تتبعت البدع والأهواء والمذاهب الفاسدة التي انحرف فيها الفرق الإسلامية عن الحق القويم بعد زمن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم سواء كان في المعارف أو في الأحكام وجدت أكثر مواردها من اتباع المتشابه ، والتأويل في الآيات بما لا يرتضيه الله سبحانه .
ففرقة تتمسك من القرآن بآيات للتجسيم ، واخرى للجبر ، واخرى للتفويض واخرى لعثرة الأنبياء ، واخرى للتنزيه المحض بنفي الصفات ، واخرى للتشبيه الخالص وزيادة الصفات ، إلى غير ذلك ، كل ذلك للأخذ بالمتشابه من غير إرجاعه إلى المحكم الحاكم فيه .
وطائفة ذكرت : أن الأحكام الدينية إنما شرّعت لتكون طريقاً إلى الوصول فلو كان هناك طريق أقرب منها كان سلوكه متعيناً لمن ركبه فإنما المطلوب هو الوصول بأي طريق اتفق وتيسر ، واخرى قالت : إن التكليف إنما هو لبلوغ الكمال ، ولا معنى لبقائه بعد الكمال بتحقق الوصول فلا تكليف لكامل .