مخصوص نسبته إلى الكلام نسبة الممثل إلى المثل ( بفتحتين ) والباطن إلى الظاهر .
وأما تفصيلاً فيرد على القول الأول : أن أقل ما يلزمه أن يكون بعض الآيات القرآنية لا ينال تأويلها أي تفسيرها أي المراد من مداليلها اللفظية عامة الأفهام ، وليس في القرآن آيات كذلك بل القرآن ناطق بانه أنما أنزل قرآناً ليناله الأفهام ، ولا مناص لصاحب هذا القول إلا أن يختار أن الآيات المتشابهة إنما هي فواتح السور من الحروف المقطعة حيث لا ينال معانيها عامة الأفهام ، ويرد عليه : أنه لا دليل عليه ، ومجرد كون التاويل مشتملاً على معنى الرجوع وكون التفسير أيضاً غير خال عن معنى الرجوع لا يوجب كون التاويل هو التفسير كما أن الام مرجع لأولادها وليست بتأويل لهم ، والرئيس مرجع للمرؤوس وليس بتاويل له .
على أن ابتغاء الفتنة عد في الآية خاصة مستقلة للتشابه وهو يوجد في غير فواتح السور فإن أكثر الفتن المحدثة في الإسلام إنما حدثت باتباع علل الأحكام وآيات الصفات وغيرها .
وأما القول الثاني فيرد عليه : أن لازمه
وجود آيات في القرآن اريد بها معان يخالفها ظاهرها الذي يوجب الفتنة في الدين بتنافيه مع المحكمات ، ومرجعه إلى أن في القرآن اختلافاً بين الآيات لا يرتفع إلا بصرف بعضها عن ظواهرها إلى معان لا يفهمها عامة الأفهام ، وهذا يبطل الاحتجاج الذي في قوله تعالى : « أَفَلَا
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا
كَثِيرًا » النساء ـ ٨٢ ، إذ لو كان ارتفاع اختلاف آية مع آية بان يقال : إنه اريد بإحديهما أو بهما معاً غير ما يدل
عليه الظاهر بل معنى تاويلي باصطلاحهم لا يعلمه إلا الله سبحانه مثلاً لم تنجح حجة
الآية ، فان انتفاء الاختلاف بالتاويل باصطلاحهم في كل مجموع من الكلام ولو كان لغير
الله أمر ممكن ، ولا دلالة فيه على كونه غير كلام البشر ، إذ من الواضح أن كل كلام
حتى القطعي الكذب واللغو يمكن إرجاعه إلى الصدق والحق بالتاويل والصرف عن ظاهره ، فلا يدل ارتفاع الاختلاف بهذا المعنى عن مجموع كلام على كونه كلام من يتعالى عن اختلاف الأحوال ، وتناقض الآراء ، والسهو والنسيان والخطاء والتكامل بمرور الزمان كما هو المعني بالاحتجاج في الآية ، فالآية بلسان احتجاجها صريح في أن
القرآن معرض لعامة الأفهام ، ومسرح للبحث والتامل والتدبر ، وليس فيه آية اريد