بها معنى يخالف ظاهر الكلام العربي ، ولا أن فيه احجية وتعمية .
وأما القول الثالث فيرد عليه : أن اشتمال الآيات القرآنية على معان مترتبة بعضها فوق بعض وبعضها تحت بعض مما لا ينكره إلا من حرم نعمة التدبر ، إلا أنها جميعاً ـ وخاصة لو قلنا أنها لوازم المعنى ـ مداليل لفظية مختلفة من حيث الانفهام وذكاء السامع المتدبر وبلادته ، وهذا لا يلائم قوله تعالى في وصف التاويل : وما يعلم تاويله إلا الله ، فان المعارف العالية والمسائل الدقيقة لا يختلف فيها الأذهان من حيث التقوى وطهارة النفس بل من حيث الحدة وعدمها ، وإن كانت التقوى وطهارة النفس معينين في فهم المعارف الطاهرة الإلهية لكن ذلك ليس على نحو الدوران والعلية كما هو ظاهر قوله : وما يعلم تأويله إلا الله .
وأما القول الرابع فيرد عليه : أنه وإن أصاب في بعض كلامه لكنه أخطأ في بعضه الآخر فإنه وإن أصاب في القول بأن التأويل لا يختص بالمتشابه بل يوجد لجميع القرآن ، وأن التأويل ليس من سنخ المدلول اللفظي بل هو أمر خارجي يبتني عليه الكلام لكنه أخطأ في عد كل أمر خارجي مرتبط بمضمون الكلام حتى مصاديق الأخبار الحاكية عن الحوادث الماضية والمستقبلة تأويلاً للكلام ، وفي حصر المتشابه الذي لا يعلم تأويله في آيات الصفات وآيات القيامة .
توضيحه أن المراد حينئذ من التأويل في قوله تعالى : وابتغاء تأويله « إلخ » إما أن يكون تأويل القرآن برجوع ضميره إلى الكتاب فلا يستقيم قوله : ولا يعلم تأويله إلا الله « إلخ » فإن كثيراً من تأويل القرآن وهو تأويلات القصص بل الأحكام أيضاً وآيات الأخلاق مما يمكن أن يعلمه غيره تعالى وغير الراسخين في العلم من الناس حتى الزائغون قلباً على قوله فإن الحوادث التي تدل عليها آيات القصص يتساوى في إدراكها جميع الناس من غير أن يحرم عنه بعضهم ، وكذا الحقائق الخلقية والمصالح التي يوجدها العمل بالأحكام من العبادات والمعاملات وسائر الامور المشرعة .
وإن كان المراد بالتأويل فيه تأويل المتشابه
فقط استقام الحصر في قوله : وما يعلم تأويله إلا الله إلخ ، وأفاد أن غيره تعالى وغير الراسخين في العلم مثلاً لا ينبغي
لهم ابتغاء تأويل المتشابه ، وهو يؤدي الى الفتنة وإِضلال الناس لكن لا وجه لحصر المتشابه
الذي لا يعلم تأويله في آيات الصفات والقيامة فإن الفتنة والضلال كما يوجد في تأويلها