المشركين ، ودعوة إلى الصبر والمصابرة والمرابطة ، وجميع ذلك يؤيد أن السورة نزلت أيام كان المسلمون مبتلين بالدفاع عن حمى الدين بعامة قواهم وجميع أركانهم ، فمن جانب كانوا يقاومون الفشل والفتور الذين يدبان في داخل جماعتهم بفتنه اليهود والنصارى ، ويحاجونهم ويجاوبونهم ، ومن جانب كانوا يقاتلون المشركين ، ويعيشون في حال الحرب وانسلاب الأمن ، فقد كان الاسلام في هذه الأيام قد انتشر صيته فثارت الدنيا عليه من اليهود والنصارى ومشركي العرب ، ووراء ذلك الروم والعجم وغيرهم .
والله سبحانه يذكر المؤمنين في هذه السورة من حقائق دينه الذي هداهم به ما يطيب به نفوسهم ، ويزول به رين الشبهات والوساوس الشيطانية وتسويلات أهل الكتاب عن قلوبهم ، ويبين لهم : أن الله سبحانه لم يغفل عن تدبير ملكه ، ولم يعجزه خلقه ، وإنما اختار دينه وهدى جمعاً من عباده اليه على طريقة العادة الجارية ، والسنة الدائمة ، وهي سنة العلل والأسباب ، فالمؤمن والكافر جاريان على سنة الأسباب ، فيوم للكافر ويوم للمؤمن ، فالدار دار الامتحان ، واليوم يوم العمل ، والجزاء غداً .
قوله تعالى : الله لا إله إلا هو الحي القيوم ، قد مرّ الكلام فيه في تفسير آية الكرسي ، وتحصل من هناك أن المراد به بيان قيامه تعالى أتم القيام على أمر الإيجاد والتدبير ، فنظام الموجودات بأعيانها وآثارها تحت قيمومة الله لا مجرد قيمومة التأثير كالقيمومة في الأسباب الطبيعية الفاقدة للشعور بل قيمومة حياة تستلزم العلم والقدرة ؛ فالعلم الإلهي نافذ فيها لا يخفى عليه شيء منها ، والقدرة مهيمنة عليها لا يقع منها إلا ما شاء وقوعه وأذن فيه ، ولذلك عقبه بقوله بعد آيتين : إن الله لا يخفی عليه شيء في الأرض ولا في السماء هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء .
ولما كانت هذه الآيات الست في أول السورة
على طريق براعة الاستهلال مشتملة على إجمال ما تحتويه السورة من التفصيل ـ وقد مر ذكر غرض السورة ـ كانت هذه الآية بمنزلة تصدير الكلام بالبيان الكلي الذي يستنتج به الغرض ، كما أن الآيتين الأخيرتين أعني قوله : إن الله لا يخفی عليه « إلخ » بمنزلة التعليل بعد البيان
، وعليهذا فالكلام التي يتم به أمر براعة الاستهلال هما الآيتان المتوسطتان أعني قوله : نزل عليك
الكتاب إلى قوله عزيز ذو انتقام . وعليهذا فيعود المعنى إلى أنه يجب على المؤمنين أن
يتذكروا أن الله الذي آمنوا به واحد في الوهيته قائم على الخلق والتدبير قيام حياة
، لا